للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت (١): وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية -قدس الله روحه- يذهب إلى خلاف هذا ويقول: الضمير عائد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصلًا وإلى صاحبه تباعًا، فهو الذي أنزلت عليه السكينة، وهو الذي أيده الله بالجنود وسرى ذلك إلى صاحبه (٢). [المستدرك ١/ ١١١]

* * *

(الصِّدِّيق أكمل من المحدث)

١٢٢٩ - ثَبَتَ أَنَّ لِأَوْليَاءِ اللّهِ مُخَاطَبَاتٍ وَمُكَاشَفَاتٍ، فَأفْضَلُ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما-، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ. وَقَد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ تَعْيِينُ عُمَرَ بِأَنَّهُ مُحَدَّث فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. [١١/ ٣٠٥]

١٢٣٠ - إِنَّ مَرْتَبَةَ الصِّدِّيقِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الْمُحَدَّثِ؛ لِأَنَّ الصّدّيقَ يَتَلَقَّى عَن الرَّسُولِ الْمَعْصُومِ كُلَّ مَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ، وَالْمُحَدَّثُ يَأْخُذُ عَن قَلْبِهِ أَشْيَاءَ، وَقَلْبُهُ لَيْسَ بِمَعْصُومِ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وَلهَذَا كَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يُشَاوِرُ الصَّحَابَةَ - رضي الله عنهم - وَيُنَاظِرُهُم وَيرْجِعُ إلَيْهِم فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَيُنَازِعُونَهُ فِي أَشْيَاءَ، فَيَحْتَجُّ عَلَيْهِم وَيَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وُيقَرِّرُهُم عَلَى مُنَازَعَتِهِ، وَلَا يَقُولُ لَهُمْ: أَنَا مُحَدَّث مُلْهَمٌ مُخَاطَبٌ فَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا مِنِّي وَلَا تُعَارِضُونِي. [١١/ ٢٠٧]

١٢٣١ - جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّه قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "قَد كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُن فِي أمّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ"، فَهُوَ - رضي الله عنه - الْمُحَدَّثُ الْمُلْهَمُ الَّذِي ضَرَبَ اللهُ الْحَق عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ؛ وَلَكِنْ مَزِيَّةُ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ مُتَابَعَةً لِلرَّسُولِ وَعِلْمًا وَإِيمَانًا بِمَا جَاءَ بِهِ: دَرَجَتُهُ فَوْقَ دَرَجَتِهِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الصِّدِّيقُ


(١) أي: ابن القيِّم رحمه الله تعالى في بداع الفوائد (٣/ ١١٢).
(٢) خالف شيخ الإسلام رحمه الله تعالى قول الإمام أحمد، وهذا لا يعني أنَّ حبه وميله للإمام أحمد أنْ يتبعه في كل شيء، بل هو متجرد للحق كغيره من أهل العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>