للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ يَأْمُرَ الشَّارح بِشَيْء لِيَمْتَحِنَ الْعَبْدَ هَل يُطِيعُهُ أَمْ يَعْصِيهِ؟ وَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ كَمَا أَمَرَ إبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، فَفَدَاهُ بِالذَّبْحِ.

فَالْحِكْمَةُ مَنْشَؤُهَا مِن نَفْسِ الْأَمْرِ، لَا مِن نَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهَذَا النَّوْعُ

وَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَمْ يَفْهَمْهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَزَعَمَتْ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَا يَكُون إلَّا لِمَا هُوَ

مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ بِدُونِ أَمْرِ الشَّارعِ.

وَالْأَشْعَرِيَّةُ ادَّعَوْا: أَنَّ جَمِيعَ الشَّرِيعَةِ مِن قِسْمِ الِامْتِحَانِ، وَأَنَّ الْأَفْعَالَ لَيْسَتْ لَهَا صِفَةٌ لَا قَبْلَ الشَّرْعِ وَلَا بِالشَّرْعِ.

وَأَمَّا الْحُكَمَاءُ وَالْجُمْهُورُ فَأَثْبَتُوا الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ (١). [٨/ ٤٢٨ - ٤٣٦]

* * *

(إضَافَةُ المؤمن السَّيِّئَاتِ إلَى نَفْسِهِ، والْحَسَنَاتِ إلى ربَّه: هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ)

٦٣٤ - يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ أَنَّ عَمَلَهُ مِن الْحَسَنَاتِ هُوَ بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ وَمِن نِعْمَتِهِ؛ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: ٤٣]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: ٧].

وَكَذَلِكَ إضَافَةُ السَّيِّئَاتِ إلَى نَفْسِهِ: هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللهَ خَالِقُ كُلِّ مَوْجُودٍ مِن الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ؛ كَمَا قَالَ آدَمَ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣]، وَقَالَ مُوسَى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: ١٦].


(١) لم يُذكر الطرف الآخر والوسط، إما لأنه فُقد، وإما لأن الشيخ تركه نسيانًا أو لعارضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>