للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذَاتِيَّةً لِلْفِعْل، لَازِمَةً لَهُ، وَلَا يَجْعَلُ الشَّرْعَ إلَّا كَاشِفًا عَن تِلْكَ الصِّفَاتِ، لَا سَبَبًا لِشَيْء مِن الصِّفَاتِ، فَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَيَقُولُونَ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ اللهُ بِالشِّرْكِ بِاللهِ، وَيَنْهَى عَن عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالظُّلْمِ، وَالْفَوَاحِشِ، وَيَنْهَى عَن الْبِرِّ، وَالتَّقْوَى .. وَلَيْسَ الْمَعْرُوفُ فِي نَفْسِهِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ، وَلَا الْمُنْكَرُ فِي نَفْسِهِ مُنْكَرًا عِنْدَهُمْ؛ بَل إذَا قَالَ: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧]، فَحَقِيقَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُم أَنَّهُ يَأْمُرُهُم بِمَا يَأْمُرُهُمْ، وَيَنْهَاهُم عَمَّا يَنْهَاهُمْ، وَيُحِلُّ لَهُم مَا يُحِلُّ لَهُمْ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِم مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ.

فَهَذَا الْقَوْلُ وَلَوَازِمُهُ هُوَ أَيْضًا قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ، مَعَ مُخَالَفَتِهِ أَيْضًا لِلْمَعْقُولِ الصَّرِيحِ؛ فَإِنَّ اللهَ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَن الْفَحْشَاءِ فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: ٢٨].

وَقَد ثَبَتَ بِالْخِطَابِ وَالْحِكمَةِ الْحَاصِلَةِ مِن الشَّرَائِعِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصْلَحَةٍ أَو مَفْسَدَةٍ، وَلَو لَمْ يَرِد الشَّرْعُ بِذَلِكَ؛ كَمَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعَدْلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الْعَالَمِ، وَالظُّلْمَ يَشْتَمِلُ عَلَى فَسَادِهِمْ، فَهَذَا النَّوْعُ هُوَ حَسَنٌ وَقَبِيحٌ.

وَقَد يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ قُبْحُ ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْفِعْلِ صِفَةً لَمْ تَكُنْ.

لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِن حُصُولِ هَذَا الْقُبْحِ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مُعَاقَبًا فِي الْآخِرَةِ إذَا لَمْ يَرِدْ شَرْعٌ بِذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا غَلِطَ فِيهِ غُلَاةُ الْقَائِلِينَ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيح؛ فَإِنَّهُم قَالُوا: إنَّ الْعِبَادَ يُعَاقَبُونَ عَلَى أَفْعَالِهِم الْقَبِيحَةِ وَلَو لَمْ يُبْعَثْ إلَيْهِم رَسُولًا، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥].

الئوْعُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّارعَ إذَا أَمَرَ بِشَيْء صَارَ حَسَنًا، وَإِذَا نَهَى عَن شَيْءٍ صَارَ قَبِيحًا، وَاكْتَسَبَ الْفِعْلُ صِفَةَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ بِخِطَابِ الشَّارعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>