للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصَّحَابَةِ كَعُمَر وَعَلِيٍّ: أَنَّهَا تُكْمِلُ عِدَّةَ الْأوَّلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ مِن وَطْءِ الثَّانِي، فَعَلَيْهَا تَمَامُ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَعِدَّةٌ لِلثَّانِي، وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء؛ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد.

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِن الثَّانِي، وَتَدْخلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الْأَوَّلِ.

وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: الْعِدَّةُ فِيهَا حَقَّ لِآدَمِيٍّ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩]

قَالُوا: فَقَد نَفَى اللّهُ أَنْ يَكونَ لِلرّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ عِدَّةٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَيْسَ هُنَا عِدَّة لِغَيْرِ الرِّجَالِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا حَقٌّ لِلرِّجَالِ حَيْثُ وَجَبَتْ؛ إذ لَو لَمْ يَكُن كَذَلِكَ لَمْ يَكُن فِي نَفْيِ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَ عِدَّة مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ للّهِ عِدَّةٌ، فَلَو كَانَت الْعِدَّةُ حَقّا مَحْضًا للّهِ لَمْ يَقُلْ: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} إذ لَا عِدَّةَ لَهُم لَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا غَيْرِهِ

وَلَو كَانَت الْعِدَّةُ نَوْعَيْنِ نَوْعًا للهِ وَنَوْعًا فِيهِ حَقٌّ لِلْأَزْوَاجِ: لَمْ يَكُن فِي نَفْيِ عِدَّةِ الْأَزْوَاجِ مَا يَنْفِي الْعِدَّةَ الْأُخْرَى.

فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ فَفِيهَا حَقٌّ لِلْأَزْوَاجِ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَت الْعِدَّةُ فِيهَا حَقّ لِرَجُلَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ حَقُّ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ؛ فَإِنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَدَاخَلُ، كَمَا لَو كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنَانِ عَلَى وَاحِدٍ، أَو كَانَ لَهُمَا عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَو غَصْبٌ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقّ حَقَّهُ. [٣٢/ ٣٤٤ - ٣٤٦]

* * *

(متى يُشرع الاِسْتِبْرَاء)

٤٦٠٤ - الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ أَنَّ الاِسْتِبْرَاءَ مَشْرُوعٌ حَيْثُ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَإِنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِالاِسْتِبْرَاءِ الْحَامِلَ وَالْحَائِضَ مِن الْمَسْبِيَّاتِ اللَّاتِي لَا تُعْلَمُ حَالُهُنَّ، فَأَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِبْرَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>