أ- لِمَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ.
ب- وَلِمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَذْهَانِ.
فَمَا قَدَّرَهُ اللهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ سَيَكُونُ: هُوَ شَيْءٌ فِي التَّقْدِيرِ وَالْعِلْمِ وَالْكِتَابِ، وَإِن لَمْ يَكُن شَيْئًا فِي الْخَارِجِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢].
وَلَفْظُ الشَّيْءِ فِي الْآيَةِ: يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا، فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مَا وُجِدَ، وَكُلِّ مَا تَصَوَّرَهُ الذِّهْنُ مَوْجُودًا إنْ تُصُوِّرَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا: قَدِيرٌ.
لَا يُسْتَثْنَى مِن ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤)} [القيامة: ٤]. [٨/ ٩ - ١٠]
* * *
(مذاهب الناس في عِلَّةِ الْخَلْقِ وَحِكْمَتِهِ، والصواب في ذلك)
٥٩٨ - النَّاسُ لَمَّا تَكَلَّمُوا فِي عِلَّةِ الْخَلْقِ وَحِكْمَتِهِ: تَكَلَّمَ كُلُّ قَوْمٍ بِحَسَبِ عِلْمِهِمْ، فَأَصَابُوا وَجْهًا مِن الْحَقِّ، وَخَفِيَ عَلَيْهِم وُجُوهٌ أُخْرَى.
وَلِأَهْلِ الْكَلَامِ هُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِثَلَاثِ طَوَائِفَ مَشْهُورَةٍ، وَقَد وَافَقَ كُلَّ طَائِفَةٍ نَاسٌ مِن أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ:
الْقَوْلُ الْأوَّلُ: قَوْلُ مَن نَفَى الْحِكْمَةَ، وَقَالُوا: هَذَا يُفْضِي إلَى الْحَاجَةِ، فَقَالُوا: يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا لِحِكْمَة، فَاثْبَتُوا لَهُ الْقُدْرَةَ وَالْمَشِيئَةَ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.
وَهَذَا قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمَن وَافَقَهُمْ؛ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ الزَّاغُونِي والجُوَيْنِي والباجي وَنَحْوِهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، وَمَن اتَّبَعَهُ مِن الْمُجْبِرَةِ، وَالْفَلَاسِفَةُ لَهُم قَوْلٌ أَبْعَدُ مِن هَذَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ يَخْلُقُ وَيَأْمُرُ لِحِكْمَة تَعُودُ إلَى الْعِبَادِ، وَهُوَ نَفْعُهُم وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ، فَلَمْ يَخْلُقْ وَلَمْ يَأْمُرْ إلَّا لِذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ.