فَالْأَوَّلُ كَلَامُهُم فِي النِّيَّةِ: هَل هِيَ شَرْطٌ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ؟ وَهَل تُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَالتَّبْيِيتِ فِي الصِّيَامِ؟ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالثاني: كَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ إخْلَاصِ الْعَمَلِ للهِ وَبَيْنَ أَهْلِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ.
وَإِن كَانَ قَد يُقَالُ: أَنَّ عُمُومَهُ يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ.
وَالنِّيَّةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، فَإنْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ بِاتِّفَاقِهِمْ.
وَالنِّيَّةُ تَتْبَعُ الْعِلْمَ، فَمَن عَلِمَ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ ضَرُورَةً؛ كَمَن قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ، فَإِذَا عَلِمَ أَنهُ يُرِيدُ الْأَكْلَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ، وَكَذَلِكَ الرُّكُوبُ وَغَيْرُهُ.
بَل لَو كُلِّفَ الْعِبَادُ أنْ يَعْمَلُوا عَمَلًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كُلِّفُوا مَا لَا يُطِيقُونَ.
وإنَّمَا يَتَصَوَّرُ عَدَم النِّيَّةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يُرِيدُ، مِثْل مَن نَسِيَ الْجَنَابَةَ وَاغْتَسَلَ لِلنَّظَافَةِ أَو لِلتبرُّدِ، أَو مَن يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَ غَيْرَهُ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِنَفْسِهِ، أَو مَن لَا يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا مِن رَمَضَانَ فَيُصْبحُ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ.
وَمَن عَرَفَ هَذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ النِّيَّةَ مَعَ الْعِلْمِ فِي غَايَةِ الْيُسْرِ، لَا تَحْتَاجُ إلَى وَسْوَسَةٍ وَآصَارٍ وَأَغْلَالٍ، وَلهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْوَسْوَسَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ لِعَبْدِ مِن جَهْل بِالشَّرْعِ، أَو خَبَلٍ فِي الْعَقْلِ.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسُوغُ الْجَهْرُ بِالنِّيَّةِ، لَا لِإِمَام وَلَا لِمَأمُومٍ وَلَا لِمُنْفَرِدٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُهَا، وإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَهُم فِي التَّكَلُّمِ بِهَا سِرًّا: هَل يُكْرَهُ أَو يُسْتَحَبُ؟
فصلٌ
لَفْظَةُ "إنَّمَا" لِلْحَصْرِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالِاضْطِرَارِ مِن لُغَةِ الْعَرَبِ، كمَا تَعْرِفُ مَعَانِيَ حُرُوفِ النَّفْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ وَغيْرِ ذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute