فَمِن ذَلِكَ اسْمُ الْمَاءِ مُطْلَقٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُقَسّمْهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلَى قِسْمَيْنِ: طَهُورٌ وَغَيْرُ طَهُورٍ، فَهَذَا التَّقْسِيمُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فصلٌ
وَاللهُ وَرَسُولُهُ عَلَّقَ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ بِمُسَمَّى السَّفَرِ، وَلَمْ يَحُدَّهُ بِمَسَافَةٍ وَلَا فَرْقٍ بَيْنَ طَوِيل وَقَصِيرٍ، وَلَو كَانَ لِلسَّفَرِ مَسَافَةٌ مَحْدُودَة لَبَيَّنَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَلَا لَهُ فِي اللُّغَةِ مَسَافَةٌ مَحْدُودَة، فَكُلَّمَا يُسَمِّيهِ أَهْلُ اللُّغَةِ سَفَرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَقَد قَصَرَ أَهْلُ مَكَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى عَرَفَاتٍ وَهِيَ مِن مَكَّةَ بَرِيدٌ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّحْدِيدَ بِيَوْمٍ أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَةٍ لَيْسَ حَدًّا شَرْعِيًّا عَامًّا.
وَمَا نقِلَ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ قَد يَكُون خَاصُّا: كَانَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، لَا يَكُونُ السَّفَرُ إلا كَذَلِكَ، وَلهَذَا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَن كُلٍّ مِنْهُم كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا، فَعُلِمَ أَنَّهُم لَمْ يَجْعَلُوا لِلْمُسَافِرِ وَلَا الزَّمَانِ حَدًّا شَرْعِيًّا عَامًّا كَمَوَاقِيتِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ بَل حَدُّوهُ لِبَعْضِ النَّاسِ بِحَسَبِ مَا رَأَوْهُ سَفَرًا لِمِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَكَمَا يَحُدُّ الْحَادُّ الْغَنِيّ وَالْفَقِير فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ، لَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ مِقْدَارًا مِنَ الْمَالِ يَسْتَوِي فِيهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ؛ بَل قَد يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ بِالْقَلِيلِ وَغَيْرُهُ لَا يُغْنِيهِ أَضْعَافُهُ؛ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَحَاجَاتِهِ وَبِالْعَكْسِ.
وَبَعْضُ النَّاسِ قَد يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ الْعَظِيمَةَ وَلَا يَكُونُ مُسَافِرًا، كَالْبَرِيدِ إذَا ذَهَبَ مِنَ الْبَلَدِ لِتَبْلِيغِ رِسَالَةٍ أَو أَخْذِ حَاجَةٍ ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا مِن غَيْرِ نُزُولٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّدَ زَادَ الْمُسَافِرِ وَبَاتَ هُنَاكَ فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُسَافِرًا، وَتَلْكَ الْمَسَافَةُ يَقْطَعُهَا غَيْرُهُ فَيَكُونُ مُسَافِرًا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَزَوَّدَ لَهَا ويبِيتَ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ وَلَا يَرْجِعُ إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَو يَوْمَيْنِ؛ فَهَذَا يُسَمِّيه النَّاسُ. مُسَافِرًا، وَذَلِكَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهَا طَرْدا وَكَرَّ رَاجِعًا عَلَى عَقِبِهِ لَا يُسَمُّونَهُ مُسَافِرًا وَالْمَسَافَةُ وَاحِدَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute