وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ عَن السَّلَفِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَةِ وَالْحَدِيثِ: هُوَ الْإِقْرَارُ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِن أَنَّهُ يَأْتِي وَيَنْزِلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِن الْأفْعَالِ اللَّازِمَةِ. [٥/ ٥٣٨ - ٥٧٧]
* * *
(مَن قَالَ إنَّ الْقُرْآن مُحْدَثٌ فَقَد قَالَ إنَّهُ مَخْلُوقٌ) [٥/ ٥٣٢]
٤٧٠ - مَن كَانَ مِن عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ لَفْظَ "الْمُحْدَثِ" إلَّا عَلَى الْمَخْلُوقِ الْمُنْفَصِلِ - كَمَا كَانَ هَذَا الِاصْطِلَاحُ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُتَنَاظِرِينَ الَّذِينَ تَنَاظَرُوا فِي الْقُرْاَنِ فِي مِحْنَةِ الْإِمَامِ أَحْمَد -رحمه الله-، وَكَانُوا لَا يَعْرِفُونَ لِلْمُحْدَثِ مَعْنًى إلَّا الْمَخْلُوقَ الْمُنْفَصِلَ - فَعَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يُقَالَ الْقُرْاَنُ مُحْدَثٌ؛ بَل مَن قَالَ: إنَّهُ مُحْدَثٌ، فَقَد قَالَ: إنَّه مَخْلُوقٌ.
(منشأ القول بخلق القرآن، وسبب محنة الإمام أحمد وذكر ما جرى له، ورأي الشيخ في ابْنِ كُلَّابٍ)
٤٧١ - لَمَّا اعْتَقَدَ أَئِمَّةُ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ اللهِ خَالِقًا لِكُلِّ شَيءٍ: أَّنَّهُ لَمْ يَزَلْ غَيْرَ فَاعِلٍ لِشَيء، وَلَا مُتَكَلِّم بِشَيْء حَتَّى أَحْدَثَ الْعَالَم: لَزِمَهُم أَنْ يَقُولُوا: إنَّ الْقُرْآنَ أَو غَيْرَهُ مِن كَلَامِ اللهِ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ بَائِنٌ عَنْهُ.
فَلَمَّا امْتُحِنَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَاشْتَهَرَتْ هَذِهِ الْمِحْنَةُ، وَثَبَّتَ اللهُ مَن ثَبَّتَهُ مِن أئِمَّةِ السُّنَّةِ، وَكَانَ الْإِمَامُ الَّذِي ثَبَّتَهُ اللهُ وَجَعَلَهُ إمَامًا لِلسُّنَّةِ، حَتَّى صَارَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ ظُهُورِ الْمِحْنَةِ يَمْتَحِنُونَ النَّاسَ بِهِ، فَمَن وَافَقَهُ كَانَ سُنِّيًّا، وَإِلَّا كَانَ بِدْعِيًّا: هُوَ الْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ، فَثبَتَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.
وَكَانَ الْمَأْمُونُ لَمَّا صَارَ إلَى الثَّغْرِ بطرسوس كَتَبَ بِالْمِحْنَةِ كِتَابًا إلَى نَائِبِهِ بِالْعِرَاقِ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، فَدَعَا الْعُلَمَاءَ وَالْفُقَهَاءَ وَالْقُضَاةَ، فَامْتَنَعُوا عَن الْإِجَابَةِ وَالْمُوَافَقَةِ، فَأعَادَ عَلَيْهِ الْجَوَابَ، فَكتَبَ كِتَابًا ثَانِيًا يَقُولُ فِيهِ عَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute