للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ، وَلَا سِيَّمَا مُحَمَّدٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ (١).

* * *

[قاعدة في الحسبة]

٣٤٨٣ - هَذِهِ قَاعِدَةٌ فِي الْحِسْبَةِ (٢): أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَ الْوِلَايَاتِ فِي الْإِسْلَامِ مَقْصُودُهَا أَنْ يَكُونَ الدَّينُ كُلُّهُ للهِ، وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا.

وَكُلُّ بَنِي آدَمَ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُم لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ؛ فَالتَّعَاوُنُ وَالتَّنَاصُرُ عَلَى جَلْبِ مَنَافِعِهِمْ، وَالتَّنَاصُرُ لِدَفْعِ مَضَارِّهِمْ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ: الْإِنْسَانُ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ.

فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَلَا بُدَّ لَهُم مِن أُمُورٍ يَفْعَلُونَهَا يَجْتَلِبُونَ بِهَا، وَأُمُورٍ يَجْتَنِبُونَهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَفْسَدَةِ، وَيَكُونُونَ مُطِيعِينَ لِلْآمِرِ بِتِلْكَ الْمَقَاصِدِ وَالنَّاهِي عَن تِلْكَ الْمَفَاسِدِ، فَجَمِيعُ بَنِي آدَمَ لَا بُدَّ لَهُم مِن طَاعَةِ آمِرٍ وَنَاهٍ.


(١) في هذه الرسالة من اللطائف والتعامل الحسن مع غير المسلمين، فمن ذلك لطف الشيخ في خطابه، ومنادته الملك بالألفاظ اللائقة بالملوك، وثناؤه عليه.
وقد استخدم الشيخ كافة الأساليب في إقناعه، فمرة يميل إلى التهديد بغير تصريح، ومرة يميل إلى استعطافه.
فأين هذا الأسلوب اللطيف اللين اللبق، من خطاب الخوارج في وقتنا هذا، الذين يُجاهرون بسفك دماء غير المسلمين، ويهددون ويفجرون الآمنين؟
مع أن الشيخ خاطب الملك الذي في حوزته الكثير من أسرى المسلمين، وقد قُتل بعضهم، وأهين الكثير منهم، وقاتلوا مع التتر وأيَّدوهم، ومع ذلك استعمل اللين والرفق.
وفيه أنه راسل الملك وناصحه ووعظه، وحثه على إطلاق سراح المسلمين الأسارى عنده، ولم يكل الأمر إلى ولاة الأمر، وهكذا كان العلماء يُناصحون ولاة أمر بلادهم وغيرهم، وكم نفع الله بهذه المناصحات، وقد ضرب الشيخ الإمام العلَّامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أروع الأمثلة في مناصحة الحكام، وقد أعتق الله رقاب كثير من علماء المسلمين والمصلحين بشفاعته ورسائله التي يُرسلها لولاة الأمر الذين حكموا على بعض رعاياهم بالإعدام أو بالسجن.
(٢) الحسبة في اصطلاح العلماء: منصبٌ دينيّ يقوم ولي الأمر بمقتضاه بتعيين من يتولى مهمةَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ صيانة للمجتمع من الانحراف، وحماية للدين من الضياع، وتحقيقًا لمصالح الناس الدينية والدنيوية وفقًا لشرع الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>