للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(التفاضل عند الله فِي الْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ لا في الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ)

٥٥١ - إنَّ الشَّخْصَيْنِ قَد يَتَمَاثَلَانِ فِي الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ؛ بَل يَتَفَاضَلَانِ، وَيَكُونُ الْمَفْضُولُ فِيهَا أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ مِن الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ فِي الْإيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ (١).

وَأَمَّا إذَا تَفَاضَلَا فِي إيمَانِ الْقُلُوب فَلَا يَكُونُ الْمَفْضُولُ فِيهَا أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ أَلْبَتَّةَ.

وَلهَذَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، وَإِن كَانَ الْفَاضِلُ أَقَلَّ عَمَلًا مِن الْمَفْضُولِ؛ كَمَا فَضَّلَ اللهُ نَبِيَّنَا -صلى الله عليه وسلم- -وَمُدَّةُ نُبُوَّتِهِ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً- عَلَى نُوحٍ وَقَد لَبِثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا، وَفَضَّلَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَقَد عَمِلُوا مِن صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ عَلَى مَن عَمِلَ مِن أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَعَلَى مَن عَمِلَ مِن صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ، فَأَعْطَى اللهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ أَجْرَيْنِ، وَأَعْطَى كُلًّا مِن أُولَئِكَ أَجْرًا أَجْرًا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي قُلُوبِهِم كَانَ أَكْمَلَ وَأفْضَلَ، وَكَانَ أُولَئِكَ أَكْثَرَ عَمَلًا، وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ أَجْرًا، وَهُوَ فَضْلُهُ يُؤْتِيه مَن يَشَاءُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي تَفَضَّلَ بِهَا عَلَيْهِم وَخَصَّهُم بِهَا.

وَهَكَذَا سَائِرُ مَن يُفَضِّلُهُ اللهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُفَضِّلُهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا التَّفْضِيلَ بِالْجَزَاءِ، كَمَا يَخُصُّ أَحَدَ الشَّخْصَيْنِ بِقُوَّةٍ يَنَالُ بِهَا الْعِلْمَ، وَبِقُوَّة يَنَالُ بِهَا الْيَقِينَ وَالصَّبْرَ وَالتَّوَكُّلَ وَالْإِخْلَاصَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُفَضِّلُهُ اللهُ بِهِ، وَإِنَّمَا


(١) فينبغي أن تكون نية الإنسان -وخاصة طالب العلم- مُنصبّةً على تقوية إيمانه وصدقه وإخلاصه وتوحيده، وتعلقه بخالقه، ولا ينبغي أن يكون اهتمامه بكثرة أعماله ومُحاضراته، والاهتمام بالتأليف والنظر في شؤون الآخرين، ويُهمل جانب الإيمان واليقين والتعلق بالله.
وعلى ما قرره شيخ الإسلام رحمهُ اللهُ: قد يكون العالم أو طالب العلم الذي ليس عنده قدرات في الحفظ أو التأليف والدعوة، أفضل عند الله تعالى ممن برعوا في التأليف والأعمال الخيرية والدعوة والمناشط في القنوات وغيرها.
وصدق من قال: مَا سَبَقَهُم أَبُو بَكْرٍ بكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، وَلَكِنْ بشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبهِ.
فانظر إلى: ما وقر في قلبك، قبلَ أَن تنظر إلى كثرة أعمالك وعلومَك.

<<  <  ج: ص:  >  >>