فَمَذْهَبُ أَحْمَد فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْحَاجَةِ.
وَاَّمَّا الْمَسْجِدُ: فَيَجُوزُ بَيْعُهُ أَيْضًا لِلْحَاجَةِ، فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- كَانَ يُقَسِّمُ كُسْوَةَ الْكَعْبَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَذَلِكَ كُسْوَةُ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ هُم الْمُسْتَحِقُّونَ لِمَنْفَعَةِ الْمَسَاجِدِ.
وَاحْتَجَّ عَلَى صَرْفِهَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ: بِأَنَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- جَمَعَ مَالًا لِمُكَاتِب فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ عَن قَدْرِ كِتَابَتِهِ فَصَرَفَهَا فِي مُكَاتِبٌ أُخَرَ؛ فَإِنَّ الْمُعْطِينَ أَعْطَوا الْمَالَ لِلْكِتَابَةِ، فَلَمَّا اسْتَغْنَى الْمُعَيَّنُ صَرَفَهَا فِي النَّظِيرِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا إبْدَالُ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِهِ لِلْمَصْلَحَةِ مَعَ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَوَّلِ: فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ الْجَوَازَ أَظْهَرُ فِي نُصُوصِهِ وَأَدِلَّتِهِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَيْسَ عَنْهُ بِهِ نَصٌّ صَرِيحٌ.
أمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: لَا يَجُوزُ النَّقْلُ وَالْإِبْدَالُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ: فَمَمْنُوعٌ، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَلَى ذَلِكَ حُجَّةَ لَا شَرْعِيَّةَ وَلَا مَذْهَبِيَّةً، فَلَيْسَ عَن الشَّارعِ وَلَا عَن صَاحِبِ الْمَذْهَبِ هَذَا النَّفْيُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ.
بَل قَد دَلَّت الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَأَقْوَالُ صَاحِبِ الْمَذْهَب عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَقَد قَالَ أَحْمَدُ: إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ يَضِيقُ بِأَهْلِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَوَّلَ إلَى مَوْضِعِ أَوْسَعَ مِنْهُ.
وَضِيقُهُ بِأَهْلِهِ لَمْ يُعَطِّلْ نَفْعَهُ؛ بَل نَفْعُهُ بَاقٍ كَمَا كَانَ، وَلَكِن النَّاسُ زَادُوا، وَقَد أَمْكَنَ أَنْ يُبْنَى لَهُم مَسْجِدٌ آخَرُ، وَلَيْسَ مِن شَرْطِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَسَعَ جَمِيعَ النَّاسِ، وَمَعَ هَذَا جَوَّزَ تَحْوِيلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ؛ لِأنَّ اجْتِمَاعَ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مِن تَفْرِيقِهِمْ فِي مَسْجِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ كُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَفْضَلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute