للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعَالَمَ لَهُ خَالِقَانِ مُتَمَاثِلَانِ، حَتَّى الْمَجُوسِ الْقَائِلِينَ بِالْأَصْلَيْنِ: النُّورِ وَالظُّلْمَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ النُّورَ خَيْرٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَيُحْمَدَ، وَأَنَّ الظُّلْمَةَ شِرِّيرَةٌ تَسْتَحِقُّ أَنْ تُذَمَّ وَتُلْعَنَ.

وَكذَلِكَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ أَرْبَابَهُم لَمْ تُشَارِك اللهَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ بَل كَانُوا مُقِرِّينَ بِأنَّ اللهَ وَحْدَهُ خَلَقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا، كَمَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُم بِذَلِكَ فِي غَيْرِ آيَةٍ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١)} [العنكبوت: ٦١]. [٧/ ٧٤ - ٧٥]

* * *

(هل مَبْدَأ اللُّغَاتِ: تَوْقِيفِيَّةٌ أو اصْطِلَاحِيَّةٌ؟)

٥١٤ - تَنَازَعَ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ فِي مَبْدَأِ اللُّغَاتِ: فَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: هِيَ اصْطِلَاحِيَّةٌ، وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ.

ثُمَّ خَاضَ النَّاسُ بَعْدَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ آخَرُونَ: بَعْضُهَا تَوْقِيفِيٌّ وَبَعْضُهَا اصْطِلَاحِيٌّ، وَقَالَ فَرِيقٌ رَابِعٌ بِالْوَقْفِ.

وَالْمَقْصُودُ أنه لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَنْقُلَ عَن الْعَرَبِ؛ بَل وَلَا عَن أُمَّةٍ مِن الْأُمَمِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فَوَضَعُوا جَمِيعَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي اللُّغَةِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهَا بَعْدَ الْوَضْعِ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ الْمَنْقُولُ بِالتَّوَاتُرِ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الألْفَاظِ فِيمَا عَنَوْهُ بِهَا مِن الْمَعَانِي (١).

نَعَمْ، قَد يَضَعُ النَّاسُ الِاسْمَ لِمَا يَحْدُثُ مِمَّا لَمْ يَكُن مَن قَبْلَهمْ يَعْرِفُهُ فَيُسَمِّيهِ، كَمَا يُولَدُ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَيُسَمّيهِ اسْمًا، إمَّا مَنْقُولًا وَإِمَّا مُرْتَجَلًا، وَقَد


(١) وقد نفى الشيخ -رحمه الله- أَنْ تكون الْألْفَاظُ الْعَرَبِيَّةُ وُضِعَتْ أَوَّلًا لِمَعَانٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهَا؛ فيَكُونُ لَهَا وَضْعٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ.
قال: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا نعْرِفُ أَحَدًا مِن الْمُسْلِمِينَ قَالَهُ قَبْلَ أَبِي هَاشِمِ بْنِ الجبائي. (٧/ ٩٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>