للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَوْلُ مَن أَثْبَتَ حِكْمَةً تَعُودُ إلَى الرَّبِّ، لَكِنْ بِحَسَبِ عِلْمِهِ، فَقَالُوا: خَلَقَهُم لِيَعْبُدُوهُ وَيحْمَدُوهُ وَيُثْنُوا عَلَيْهِ وَيُمَجِّدُوهُ.

قَالُوا: وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَن وَقَعَتْ مِنْهُ الْعِبَادَةُ.

قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَن وُجِدَتْ مِنْهُ الْعِبَادَةُ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ لَهَا، وَمَن لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ فَلَيْسَ مَخْلُوقًا لَهَا.

قُلْت: قَوْلُ هَؤُلَاءِ الكَرَّامِيَة وَمَن وَافَقَهُم وَإِن كَانَ أَرْجَحَ مِن قَوْلِ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ مِن حِكْمَةِ اللهِ، وَقَوْلُهُم فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ وَإِن وَافَقُوا فِيهِ بَعْضَ السَّلَفِ: فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَلمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ (١).

فَإِنَّ قَصْدَ الْعُمُومِ ظَاهِرٌ فِي الْآيَةِ وَبَيِّنٌ بَيَانًا لَا يَحْتَمِل النَّقِيضَ.

وَأَمَّا نفاة الْحِكْمَةِ؛ كَالْأَشْعَرِيّ وَأَتْبَاعِهِ؛ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ أَصْلُهُم أَنَّ اللهَ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا لِشَيْء، فَلَمْ يَخْلُقْ أَحَدًا لَا لِعِبَادَةِ وَلَا لِغَيْرِهَا، وَعِنْدَهُم لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لَامُ كَيْ، لَكِنْ قَد يَقُولُونَ فِي الْقُرْآنِ لَامُ الْعَاقِبَةِ؛ كَقَوْلِهِ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨].

فَهَذَا قَوْلُهُم وَهُوَ ضَعِيفٌ لِوُجُوه:

أَحَدُهَا: أَنَّ لَامَ الْعَاقِبَةِ الَّتِي لَمْ يُقْصَدْ فِيهَا الْفِعْلُ لِأَجْلِ الْعَاقِبَةِ إنَّمَا تَكُونُ مِن جَاهِلٍ أَو عَاجِزٍ.

فَالْجَاهِلُ؛ كَقَوْلِهِ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، لَمْ يَعْلَمْ فِرْعَوْنُ بِهَذِهِ الْعَاقِبَةِ.


(١) وقد ذكر الشيخ ستة أقوالٍ بين المذاهب والفرق في معناها، ورجح السادس فقال: والْقَوْلُ السَّادِسُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ: أَن اللهَ خَلَقَهُم لِعِبَادَتِهِ، وَهُوَ فِعْلُ مَا أُمِرُوا بِهِ. اهـ. (٨/ ٥١)

<<  <  ج: ص:  >  >>