فَصْلٌ
إذَا لَمْ تَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا وَجَدْته عَن الصَّحَابَةِ فَقَد رَجَعَ كَثيرٌ مِن الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ إلَى أقْوَالِ التَّابِعِينَ.
وَقَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَغَيْرُهُ: أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي الْفُرُوعِ لَيْسَتْ حُجَّةَ، فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةٌ فِي التَّفْسِيرِ؟
يَعْنِي أَنَّهَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَن خَالَفَهُمْ، وَهَذَا صَحِيحٌ.
أَمَّا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى الشَيْءِ فَلَا يُرْتَابُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةَ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا فَلَا يَكُونُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ، وَلَا عَلَى مَن بَعْدَهُمْ.
وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى لُغَةِ الْقُرْآنِ أَو السُّنَّةِ، أو عُمُومِ لُغَةِ الْعَرَبِ، أَو أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ.
فَأمَّا تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأيِ فَحَرَامٌ.
وَهَكَذَا رَوَى بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِن أَصْحَابِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُم شَدَّدُوا فِي أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمِ.
فَمَن قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأيِهِ فَقَد تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بهِ، وَسَلَكَ غَيْرَ مَا أمِرَ بِهِ، فَلَو أَنَّهُ أصَابَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الأمْرِ لَكَانَ قَد أَخْطأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْأمْرَ مِن بَابِهِ؛ كَمَن حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَإِن وَافَقَ حُكْمُهُ الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
لَكِنْ يَكُونُ أَخَفَّ جُرْمًا مِمَن أَخْطَأَ وَاللّهُ أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا سَمَّى الله تَعَالَى الْقَذَفَةَ كَاذِبِينَ فَقَالَ: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣]، فَالْقَاذِفُ كَاذِبٌ وَلَو كَانَ قَد قَذَفَ مَن زَنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لأنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ. [١٣/ ٣٤٥ - ٣٧١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute