للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(هَل الْمُنَافِق الزِّنْدِيق يَرِثُ وَيُورَثُ وَإن عُلِمَ فِي الْبَاطِنِ أَنَّهُ مُنَافِقٌ، وهَل يُسْتَتَابُ؟)

٥٤٨ - إِنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٨]، هُم فِي الظَّاهِرِ مُؤْمِنُونَ يُصَلُّونَ مَعَ النَّاسِ، وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ وَيَغْزُونَ، وَالْمُسْلِمُونَ يُنَاكِحُونَهُم ويوارثونهم، كَمَا كَانَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَمْ يَحْكُم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمُنَافِقِينَ بِحُكْمِ الْكُفَّارِ الْمُظْهِرِينَ لِلْكُفْرِ، لَا فِي مُنَاكَحَتِهِمْ وَلَا موارثتهم وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ.

بَل لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبيّ ابْنُ سلول -وَهُوَ مِن أَشْهَرِ النَّاسِ بِالنِّفَاقِ- وَرِثَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، وَهُوَ مِن خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَن كَانَ يَمُوتُ مِنْهُم يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَإِذَا مَاتَ لِأَحَدِهِمْ وَارِثٌ وَرِثُوهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَد تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُنَافِقِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي يَكْتُمُ زَنْدَقَتَهُ: هَل يَرِثُ وَيُورَثُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرِثُ ويُورَثُ وَإِن عُلِمَ فِي الْبَاطِنِ أَنَّهُ مُنَافِقٌ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُوَالَاةِ الظَّاهِرَةِ، لَا عَلَى الْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْقُلُوبِ، فَإِنَّهُ لَو عُلِّقَ بِذَلِكَ لَمْ تُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ، وَالْحِكْمَةُ إذَا كَانَت خَفِيَّةً أَو مُنْتَشِرَةً عُلِّقَ الْحُكْمُ بِمَظِنَّتِهَا، وَهُوَ مَا أَظْهَرَهُ مِن مُوَالَاةِ الْمُسْلِمِينَ.

فَقَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ" (١): لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْمُنَافِقُونَ وَإِن كَانُوا فِي الْآخِرَةِ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِن النَّارِ؛ بَل كَانُوا يُورَثُونَ وَيَرِثُونَ، وَكَذَلِكَ كَانُوا فِي الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَن شُبُهَاتٍ كَثِيرَةٍ تُورَدُ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِن الْمُتَأَخِّرِينَ مَا بَقِيَ فِي الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ عِنْدَهُم إلَّا عَدْلٌ أَو فَاسِقٌ، وَأَعْرَضُوا عَن حُكْمِ الْمُنَافِقِينَ، وَالْمُنَافِقُونَ مَا زَالُوا وَلَا يَزَالُونَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.


(١) رواه البخاري (٦٧٦٤)، ومسلم (١٦١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>