للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَوَّلًا يُصَلِّي عَلَيْهِم وَيَسْتَغْفِرُ لَهُم حَتَّى نَهَاهُ اللهُ عَن ذَلِكَ فَقَالَ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤]، وَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠]، فَلَمْ يَكُن يُصَلِّي عَلَيْهِم وَلَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ.

وَلَكِنْ دِمَاؤُهُم وَأَمْوَالُهُم مَعْصُومَةٌ لَا يَسْتَحِلُّ مِنْهُم مَا يَسْتَحِلُّهُ مِن الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُم مُؤْمِنُونَ؛ بَل يُظْهِرُونَ الْكُفْرَ دُونَ الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "أُمِرْت أَنْ أُقاَتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُم إلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُم عَلَى اللهِ" (١).

وَكَانَ مَن مَاتَ مِنْهُم صَلَّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ، وَمَن عَلِمَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ.

وَلَو حَضَرَتْ جِنَازَةُ أَحَدِهِمْ صَلَّى عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُن مَنْهِيًّا عَن الصَّلَاةِ إلَّا عَلَى مَن عَلِمَ نِفَاقَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُنَقِّبَ عَن قُلُوبِ النَّاسِ، وَيَعْلَمَ سَرَائِرَهُمْ، وَهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بَشَرٌ.

وَلهَذَا لَمَّا كَشَفَهُم اللهُ بِسُورَةِ بَرَاءَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ} صَارَ يَعْرِفُ نِفَاقَ نَاسٍ مِنْهُم لَمْ يَكُن يَعْرِفُ نِفَاقَهُم قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللهَ وَصَفَهُم بِصِفَات عَلِمَهَا النَّاسُ مِنْهُمْ، وَمَا كَانَ النَّاسُ يَجْزِمُونَ بِأَنَّهَا مُسْتَلْزِمَةٌ لِنِفَاقِهِمْ، وَإِن كَانَ بَعْضُهُم يَظُنُّ ذَلِكَ وَبَعْضُهُم يَعْلَمُهُ، فَلَمْ يَكُن نِفَاقُهُم مَعْلُومًا عِنْدَ الْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ حَالِهِمْ لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ؛ وَلهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٌ كَتَمُوا النِّفَاقَ، وَمَا بَقِيَ يُمْكِنُهُم مِن إظْهَارِهِ أَحْيَانًا مَا كَانَ يُمْكِنُهُم قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (٦١)


(١) رواه البخاري (٢٥)، ومسلم (٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>