فَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: لَا يُقْتَلُ إلَّا مَن كَانَ مِن الْمُعَاوِيينَ لَهُم عَلَى الْقِتَالِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا كَانَ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
وَمِنْهُم مَن يَقُولُ: بَل مُجَرَّدُ الْكُفْرِ هُوَ الْمُبِيحُ لِلْقَتْلِ. وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ لِأَنَّهُم أَمْوَالٌ.
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَنْبَنِي أَخْذُ الْجِزْيَةِ.
وَأَمَّا الرَّاهِبُ الَّذِي يُعَاوِنُ أَهْلَ دِينِهِ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ؛ مِثْل أَنْ يَكُونَ لَهُ رَأيٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي الْقِتَالِ أَو نَوْعٍ مِن التَّحْضِيضِ: فَهَذَا يُقْتَلُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ إذَا قدِرَ عَلَيْهِ، وَتُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَإِن كَانَ حَبِيسًا مُنْفَرِدًا فِي مُتَعَبَّدِهِ، فَكَيْفَ بِمَن هم كَسَائِرِ النَّصَارَى فِي مَعَايِشِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِم النَّاسَ، وَاكْتِسَابِ الْأمْوَالِ بِالتِّجَارَاتِ وَالزِّرَاعَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ؟
* * *
[بناء الكنائس في مدائن المسلمين]
٣٤٥٠ - إنَّ مِن الْعِلْمِ الْمُتَوَاقَرِ أَنَّ الْقَاهِرَةَ بُنِيَتْ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- بِأَكْثَرَ مِن ثَلَاثمِائَةِ سَنَةٍ، بُنِيَتْ بَعْدَ بَغْدَادَ وَبَعْدَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَوَاسِطَ.
وَقَد اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَا بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ مِن الْمَدَائِنِ لَمْ يَكُن لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُحْدثُوا فِيهَا كَنِيسَةً؛ مِثْل مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا، وَأَبْقَوْا لَهُم كَنَائِسَهُم الْقَدِيمَةَ، بَعْدَ أَنْ شَرَطَ عَلَيْهِم فِيهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَنْ لَا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً فِي أَرْضِ الصُّلْحِ، فَكَيْفَ فِي مَدَائِنِ الْمُسْلِمِينَ؟
بَل إذَا كَانَ لَهُم كَنِيسَةٌ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ كَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَبَنَى الْمُسْلِمُونَ مَدِينَةً عَلَيْهَا فَإنَّ لَهُم أَخْذَ تِلْكَ الْكنِيسَةِ؛ لِئَلَّا تُتْرَكَ فِي مَدَائِنِ الْمُسْلِمِينَ كَنِيسَةٌ بِغَيْرِ عَهْدٍ؛ فَإِنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد (١) بِإسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ
(١) (٣٠٥٣، ٣٠٣٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute