الْقَصْدُ مِن الْحِلِّ إلَى الْكَعْبَةِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْحَجِّ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْحَجُّ
عَرَفَةُ" (١).
وَلهَذَا لَمْ يَكُن عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ طَوَافُ قُدُومٍ وَلَا طَوَافُ وَدَاعٍ؛ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ، فَإِنَّهُم لَيْسُوا بِقَادِمِينَ إلَيْهَا وَلَا مُوَدِّعِينَ لَهَا مَا دَامُوا فِيهَا.
فَظَهَرَ أَنَّ الْحَجَّ الَّذِي أَصْلُهُ التَّعْرِيفُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ ذَلِكَ: مَشْرُوعٌ لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ فِيهِمْ.
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ: فَإِنَّ جِمَاعَهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَذَلِكَ مِن نَفْسِ الْحَرَمِ وَهُوَ فِي الْحَرَمِ دَائِمًا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أنَّ الِاعْتِمَارَ مِن مَكَّةَ وَتَرْكَ الطَّوَافِ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ؛ بَل الْمُسْتَحَبُّ هُوَ الطَّوَافُ دُونَ الِاعْتِمَارِ؛ بَلِ الِاعْتِمَارُ فِيهِ حِينَئِذٍ هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ وَلَمْ يُؤمَرْ بِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا قَامَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
وَلهَذَا كَانَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ يَنْهَوْنَ عَن ذَلِكَ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ لِلْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ، فَهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ مُرَتَّبَةٍ:
أ- الِاعْتِمَارُ فِي الْعَامِ أَكْثَرَ مِن مَرَّةٍ.
ب- ثُمَّ الِاعْتِمَارُ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ.
ج- ثُمَّ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ لِلْمَكِّيِّ.
فَأَمَّا كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ الْمَشرُوعِ: كَاَلَّذِي يَقْدَمُ مِن دويرة أَهْلِهِ فَيُحْرِمُ مِنَ
(١) رواه الترمذي (٢٩٧٥)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي (٢٩٧٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute