(منافع عِلْم الْحِسَابِ)
٦٦١ - إِنَّ عِلْمَ الْحِسَابِ الَّذِي هُوَ عِلْم بِالْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ، والْهَنْدَسَة الَّتِي هِيَ عِلْمٌ بِالْكَمِّ الْمُتَّصِلِ: عِلْمٌ يَقِينِيٌّ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ أَلْبَتَّةَ؛ مِثْل جَمْعِ الْأَعْدَادِ وَقِسْمَتِهَا وَضَرْبِهَا وَنِسْبَةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ.
وَهَذَا (١) كَانَ مَبْدَأَ فَلْسَفَتِهِمْ الَّتِي وَضَعَهَا فيثاغورس، وَكَانُوا يُسَمُّونَ أَصْحَابَهُ أَصْحَابَ الْعَدَدِ.
لَكِنْ لَا تَكْمُلُ بِذَلِكَ نَفْسٌ، وَلَا تَنْجُو بِهِ مِن عَذَابٍ، وَلَا تَنَالُ بِهِ سَعَادَة، وَلهَذَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي عُلُومِ هَؤُلَاءِ: هِيَ بَيْنَ عُلُومٍ صَادِقَةٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَنَعُوذُ بِاللهِ مِن عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَبَيْنَ ظُنُونٍ كَاذِبَةٍ لَا ثِقَةَ بِهَا وَإِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ.
يُشِيرُونَ بِالْأَوَّلِ إلَى الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ.
وَبِالثَّانِي إلَى مَا يَقُولُونَهُ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَفِي أَحْكَامِ النُّجُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
لَكِنْ قَد تَلْتَذُّ النَّفْسُ بِذَلِكَ كَمَا تَلْتَذُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَلْتَذُّ بِعِلْمِ مَا لَمْ يَكُن عَلِمَهُ، وَسَمَاعِ مَا لَمْ يَكُن سَمِعَهُ، إذَا لَمْ يَكُن مَشْغُولًا عَن ذَلِكَ بِمَا هُوَ أهَمُّ عِنْدَهُ مِنْهُ، كَمَا قَد يَلْتَذُّ بِأَنْوَاعٍ مِن الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ مِن جِنْسِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ.
وَأَيْضًا: فَفِي الْإِدْمَانِ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ تَعْتَادُ النَّفْسُ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ، وَالْقَضَايَا الصَّحِيحَةَ الصَّادِقَةَ، وَالْقِيَاسَ الْمُسْتَقِيمَ، فَيَكونُ فِي ذَلِكَ تَصْحِيحُ الذِّهْنِ وَالْإِدْرَاكِ، وَتُعَوَّدُ النَفْسُ أَنَّهَا تَعْلَمُ الْحَقَّ وَتَقُولُهُ؛ لِتَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الَّتِي هِيَ فَوْقَ ذَلِكَ. [٩/ ١٢٦ - ١٢٨]
* * *
(١) أي: علم المنطق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute