للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(إذا تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي عَمَلٍ هَل هُوَ مُحَرَّمٌ أَو مُبَاحٌ: لا يجوز جَعلهُ قُرْبَةً)

٢٠٥٧ - مَعْلُومٌ فِي كُلِّ عَمَلٍ تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ: هَل هُوَ مُحَرَّمٌ أَو مُبَاحٌ لَيْسَ بِقُرْبَة أَنَّ مَن جَعَلَهُ قُرْبَةً فَقَد خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَإِذَا فَعَلَهُ مُتَقَرِّبًا بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا لَو تَقَرَّبَ بِلَعِبِ النَّرْدِ وَالشَّطْرَنْجِ، وَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي الْحُشُوشِ، وَاسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ وَالْمَعَازِفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لِلنَّاسِ فِيهِ قَوْلَانِ: التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهَا قُرْبَةٌ، فَاَلَّذِي يَجْعَلُهُ عِبَادَةً يَتَقَرَّبُ بِهِ كَمَا يَتَقَرَّبُ بِالْعِبَادَاتِ: قَد فَعَلَ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَل هُوَ حَرَامٌ أَو مُبَاحٌ كَانَ مَن جَعَلَهُ قُرْبَةً مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِهِمْ، كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ فَمَن أَحْدَثَ قَوْلًا ثَالِثًا فَقَد خَالَفَ إجْمَاعَهُمْ. [٢٧/ ٢٢٩]

* * *

(متى يُثاب المخطئ ومتى يستحق العقاب؟)

٢٠٥٨ - سَبَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ -مَعَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِي قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا-: أَنَّ الْعَالِمَ قَد فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِن حُسْنِ الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ، وَفوَ مَأْمُورٌ فِي الظَّاهِرِ بِاعْتِقَادِ مَا قَامَ عِنْدَهُ دَلِيلُهُ، وَإِن لَمْ يَكُن مُطَابِقًا.

فَإِذَا اعْتَقَدَ الْعَالِمُ اعْتِقَادَيْنِ متَنَاقِضَيْنِ فِي قَضِيَّةٍ أَو قَضِيّتَيْنِ مَعَ قَصْدِهِ لِلْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ لِمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ مِن الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ: عُذِرَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَهُوَ الْخَطَأُ الْمَرْفُوعُ عَنَّا، بِخِلَافِ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّهُم {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: ٢٣]، وَيجْزِمُونَ بِمَا يَقُولُونَهُ بِالظَّن وَالْهَوَى جَزْمًا لَا يَقْبَلُ النَّقِيضَ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِجَزْمِهِ، فَيَعْتَقِدُونَ مَا لَمْ يُؤْمَرُوا بِاعْتِقَادِهِ لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا، وَيقْصِدُونَ مَا لَمْ يُؤْمَرُوا بِقَصْدِهِ، وَيَجْتَهِدُونَ اجْتِهَادًا لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>