شَرْعٌ دَخَلَ فِيهِ التَّأْوِيلُ وَالِاجْتِهَادُ، وَقَد يَكُونُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ الْمُنَزَّلِ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَجْرَانِ، وَقَد لَا يَكونُ مُوَافِقًا لَهُ، لَكِنْ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، فَإِذَا اتَّقَى الْعَبْدُ اللهَ مَا اسْتَطَاعَ آجَرَهُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ وَغَفَرَ لَهُ خَطَأَهُ.
وَمَن كَانَ هَكَذَا لَمْ يَكُن لِأَحَدٍ أَنْ يَذُمَّهُ وَلَا يَعِيبَهُ وَلَا يُعَاقِبَهُ، وَلَكِنْ إذَا عُرِفَ الْحَقُّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ لِقَوْل أَحَدٍ مِن الْخَلْقِ، وَذَلِكَ هُوَ الشَّرْعُ الْمُنَزَّلُ مِن عِنْدِ اللهِ، وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُوَ دِينُ اللهِ وَرَسُولِهِ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَيكُونَ الدِّينُ كُلُّة للهِ.
لَا يُجَاهِدُونَ عَلَى قَوْلِ عَالِمٍ وَلَا شَيْخٍ وَلَا مُتَأَوّلٍ؛ بَل يُجَاهِدُونَ لِيُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ، وَيكُونَ الدِّينُ لَهُ كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (١) عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رَياءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ: "مَن قَاتَلَ لِتكُونَ كلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ".
فَالْمَقْصُودُ بِالْجِهَادِ أَنْ لَا يُعْبَدَ أَحَدٌ إلَّا اللهُ؛ فَلَا يَدْعُو غَيْرَهُ وَلَا يُصَلِّي لِغَيْرِهِ وَلَا يَسْجُدُ لِغَيْرِهِ. [٣٥/ ٣٦٣ - ٣٦٨]
* * *
[هل حكم الحاكم يرفع الخلاف؟ وواجب الحكام تجاه اختلاف المسلمين والعلماء]
٥٠١٥ - فَصْلٌ: فِيمَا جَعَلَ اللهُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَجْعَلْ لِوَاحِدٍ مِن الْمَخْلُوقِينَ الْحُكْمَ فِيهِ؛ بَل الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ للهِ تَعَالَى وَلرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَيْسَ لِأَحَد مِن الْحُكَّامِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَو كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مِن آحَادِ الْعَامَّةِ.
(١) البخاري (١٢٣)، ومسلم (١٩٠٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute