للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذَا مِثْلُ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ الْخَلْقِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهَا وَيعْمَلُوا بِهَا، وَقَد بَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، أَو تَنَازَعَت الْأُمَّةُ فِيهِ: إذَا وَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْحُكَّامِ وَبَيْنَ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ مِن الْعُلَمَاءِ أَو الْجُنْدِ أَو الْعَامَّةِ أَو غَيْرِهِمْ: لَمْ يَكُن لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا عَلَى مَن يُنَازِعُهُ، وَيُلْزِمَهُ بِقَوْلِهِ، وَيمْنَعَهُ مِن الْقَوْلِ الآخَرِ، فَضْلًا عَن أَنْ يُؤْذِيَهُ أَو يُعَاقِبَهُ؛ مِثْلُ أَنْ يَتَنَازَعَ حَاكِمٌ أَو غَيْرُ حَاكِمٍ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] هَل الْمُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ؟ كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا: إنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَا لِشَهْوَةٍ وَلَا لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، أَو الْمُرَادُ بِهِ اللَّمْسُ بِجَمِيعِ الْبَشَرَةِ إمَّا لِشَهْوَةٍ وَإِمَّا مُطْلَقًا؟.

وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي كَثِيرٍ مِن مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ، وَفِي كَثِيرٍ مِن مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَثِيرٍ مِن مَسَائِلِ الْعِبَادَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَفِي مَسَائِلِ زِيَارَاتِ الْقُبُورِ، مِنْهُم مِن كَرِهَهَا مُطْلَقًا، وَمِنْهُم مَن أَبَاحَهَا، وَمِنْهُم مَن اسْتَحَبَّهَا إذَا كَانَت عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ.

وَتَنَازَعُوا فِي بَعْضِ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: هَل ثَبَتَتْ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ أَو لَمْ تَثْبُتْ؟

فَهَذِهِ الْأُمُورُ الْكُلِّيَّةُ لَيْسَ لِحَاكِم مِن الْحُكَّامِ كَائِنًا مَن كَانَ -وَلَو كَانَ مِن الصَّحَابَةِ- أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا بقَوْلِهِ عَلَى مَن نَازَعَهُ فِي قَوْلِهِ، فَيَقُولُ: أَلْزَمْته أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يُفْتِيَ إلَّا بِالْقَوْلِ اَلَّذِي يُوَافِقُ لِمَذْهَبِي؛ بَل الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ للهِ وَرَسُولِهِ.

وَالْحَاكِمُ وَاحِدٌ مِن الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ تَكَلَّمَ بِمَا عِنْدَهُ، وَإِذَا كَانَ عِنْدَ مُنَازِعِهِ عِلْمٌ تَكَلَّمَ بِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ وَعُرِفَ حُكْمُ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجَبَ عَلَى الْجَمِيعِ اتِّبَاعُ حُكْمِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِن خَفِيَ ذَلِكَ أُقِرَّ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلِهِ، أُقِرَّ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>