العيش وخلاف الرفاهية والنعيم؛ بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرَّهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه: فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا، وقوة ويقينًا وطمأنينة.
فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها.
قال ابن القيم رحمهُ اللهُ: وحدثني بعض أقارب شيخ الإسلام رحمهُ اللهُ قال: كان في بداية أمره يخرج أحيانًا إلى الصحراء يخلو عن الناس لقوة ما يرد عليه، فتبعته يومًا فلما أصحر تنفس الصعداء، ثم جعل يتمثل بقول الشاعر، وهو لمجنون ليلى في قصيدته الطويلة:
وأخرج من بين البيوت لعلني … أحدث عنك النفس بالسر خاليًا
[قراءة هذه الآية على الدابة إذا استعصت، وقوة ابن تيمية]
٥٢٧٣ - قال يونس بن عبيد: ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)} [آل عمران: ٨٣] إلا وقفت بإذن الله. قال شيخنا - قدس الله روحه-: وقد فعلنا ذلك فكان كذلك. [المستدرك ١/ ١٥٨]
قال ابن القيم: رحمهُ اللهُ: الحادية والستون (١) أنَّ الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه.
(١) من فضائل الذكر التي عددها ابن القيِّم. (الجامع).