للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ الْحُبُّ التَّامُّ مَعَ الْقُدْرَةِ: يَسْتَلْزِمُ حَرَكَةَ الْبَدَنِ بِالْقَوْلِ الظَّاهِرِ، وَالْعَمَلِ الظَّاهِرِ ضَرُورَةٌ، فَمَن جَعَلَ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ مُوجِبًا لِجَمِيعِ مَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَكُلٍّ مَا سُمِّيَ إيمَانًا: فَقَد غَلِطَ؛ بَل لَا بُدَّ مِن الْعِلْمِ وَالْحُبِّ.

وَإِذَا قَامَ بِالْقَلْب التَّصْدِيقُ بِهِ وَالْمَحَبَّةُ لَهُ: لَزِمَ ضَرُورَةً أَنْ يَتَحَرَّكَ الْبَدَنُ بِمُوجِب ذَلِكَ مِن الْأَقوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، فَمَا يَظْهَرُ عَلَى الْبَدَنِ مِن الْأَقوَالِ وَالْأَعْمَالِ هُوَ مُوجَبُ مَا فِي الْقَلْبِ وَلَازِمُهُ وَدَلِيلُهُ وَمَعْلُولُهُ، كَمَا أَنَّ مَا يَقُومُ بِالْبَدَنِ مِن الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ لَهُ أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِيمَا فِي الْقَلْبِ.

فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي الْآخَرِ، لَكِنَّ الْقَلْبَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْبَدَنَ فَرْعٌ لَهُ، وَالْفَرْعُ يُسْتَمَدُّ مِن أَصْلِهِ، وَالْأَصْلُ يَثْبُتُ وَيَقْوَى بِفَرْعِهِ؛ كَمَا فِي الشَّجَرَةِ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ لِكَلِمَةِ الْإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: ٢٤] وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالشَّجَرَةُ كُلَّمَا قَوِيَ أَصْلُهَا وَعَرِقَ وَرُوِيَ قَوِيَتْ فَرْعُهَا، وَفُرُوعُهَا أَيْضًا إذَا اغْتَذَتْ بِالْمَطَرِ وَالرِّيحِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي أَصْلِهَا.

وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ، وَالْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ. [٧/ ٥٣٨ - ٥٤٢]

* * *

(أَبُو طَالِبٍ إنَّمَا كَانَت مَحَبَّتُهُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ لَا للهِ)

٥٧٤ - أَبُو طَالِب وَإِن كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مُحَمَّدَا رَسُولُ اللهِ وَهُوَ مُحِبُّ لَهُ فَلَمْ تَكُنْ مَحَبَّتُهُ لَهُ لِمَحَبَّتِهِ للهِ؛ بَل كَانَ يُحِبُّهُ لِأَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ فَيُحِبُّهُ لِلْقَرَابَةِ، وَإِذَا أَحَبَّ ظُهُورَهُ فَلِمَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ مِن الشَّرَفِ وَالرِّئَاسَةِ، فَأَصْلُ مَحْبُوبِهِ هُوَ الرِّئَاسَةُ؛ فَلِهَذَا لَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ الْمَوْتِ رَأَى أَنَّ بِالْإِقْرَارِ بِهِمَا زَوَالَ دِينِهِ الَّذِي يُحِبُّهُ، فَكَانَ دِينُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِن ابْنِ أَخِيهِ، فَلَمْ يُقِرَّ بِهِمَا، فَلَو كَانَ يُحِبُّهُ لِأَنَّهُ رَسُولُ اللهِ كَمَا كَانَ يُحِبُّهُ أَبُو بَكْرٍ .. وَكَمَا كَانَ يُحِبُّهُ سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ كَعُمَر وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ لَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ قَطْعًا، فَكَانَ حُبُّهُ حُبًّا مَعَ اللهِ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>