وَهَذَا لَأَنَّ مَسْأَلَةَ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَإِرَادَةِ الْكَائِنَاتِ: مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ، وَكَمَا أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ مِن الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرَهُم أخطأوا فِيهَا فَقَد أَخْطَأَ فِيهَا كَثِيرٌ مِمَن رَدَّ عَلَيْهِم أَو أَكْثَرُهُمْ؛ فَإِنَّهُم سَلَكُوا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِم مَسْلَكَ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَتْبَاعِهِ، فَنَفَوْا حِكْمَةَ اللهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِه، وَنَفَوْا رَحْمَتَهُ بِعِبَادِهِ، وَنَفَوْا مَا جَعَلَهُ مِن الْأَسْبَابِ خَلْقًا وَأَمْرًا، وَجَحَدُوا مِن الْحَقَائِقِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ وَشَرَائِعِهِ مَا صَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِنُفُورِ أَكْثَرِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ فَهِمُوا قَوْلَهُم عَمَّا يَظُنُّونَهُ السنَّةَ؛ إذ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْقَدَرِ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي ابْتَدَعَهُ جَهْمٌ. [٧/ ٣٨٥ - ٣٨٦]
* * *
(بدعةُ مُرْجِئَةِ الْفُقَهَاءِ مِن بِدَعِ الْأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، لَا مِن بِدَعِ الْعَقَائِدِ)
٥٥٣ - دَخَلَ فِي "إرْجَاءِ الْفُقَهَاءِ" جَمَاعَةٌ هُم عِنْدَ الْأُمَّةِ أَهْلُ عِلْمٍ وَدِينٍ، وَلهَذَا لَمْ يُكَفِّرْ أَحَد مِن السَّلَفِ أَحَدًا مِن مُرْجِئَةِ الْفُقَهَاءِ؛ بَل جَعَلُوا هَذَا مِن بِدَعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، لَا مِن بِدَعِ الْعَقَائِدِ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِن النِّزَاعِ فِيهَا لَفْظِيٌّ، لَكِنَّ اللَّفْظَ الْمُطَابِقَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُوَ الصَّوَابُ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ قَوْلِ اللهِ وَرَسُولِهِ، لَا سِيَّمَا وَقَد صَارَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى بدَع أَهْلِ الْكَلَام مِن أَهْلِ الْإِرْجَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَى ظُهُورِ الْفِسْقِ فَصَارَ ذَلِكَ الْخَطَأُ الْيَسِيرُ فِي اللَّفْظِ سَبَبًا لِخَطَأٍ عَظِيمٍ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ؛ فَلِهَذَا عَظُمَ الْقَوْلُ فِي ذَمِّ الْإِرْجَاءِ حَتَّى قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِي: لَفِتْنَتُهُم -يَعْنِي: الْمُرْجِئَةَ- أَخْوَفُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِن فِتْنَةِ الأزارقة.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا اُبْتُدِعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةٌ أَضَرُّ عَلَى أَهْلِهِ مِن الْإِرْجَاءِ. [٧/ ٣٩٤ - ٣٩٥]
٥٥٤ - أَنْكَرَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَن اتَّبَعَهُ تَفَاضُلَ الْإِيمَانِ وَدُخُولَ الْأَعْمَالِ فِيهِ وَالِاسْتِثْنَاءَ فِيهِ، وَهَؤُلَاءِ مِن مُرْجِئَةِ الْفُقَهَاءِ.
وَامَّا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِي -إمَامُ أَهْلِ الْكُوفَةِ شَيْخُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ-
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute