بَل هَذَا الْوَصفُ يَثْبُتُ لِلْمَخْلُوقَاتِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَو أَنَّهُ يُنَاجِي السَّمَاءَ، أَو يُنَاجِي الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ: لَكَانَت السَّمَاءُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَوْقَهُ، وَكَانَت أَيْضًا قِبَلَ وَجْهِهِ. [٥/ ١٠٧]
* * *
(الردّ على من قال: مَذْهَبُ السَّلَفِ إقْرَارُ الصفات عَلَى مَا جَاءَت بهِ، مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ)
٤٣٧ - اعْلَمْ أَنَّ مِن الْمُتَأَخِّرِينَ مَن يَقُولُ: مَذْهَبُ السَّلَفِ إقْرَارُهَا (١) عَلَى مَا جَاءَت بِهِ، مَعَ اعْتِقَادِ انَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ.
وَهَذَا اللَّفْظُ مُجْمَلٌ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: "ظَاهِرهَا غَيْرُ مُرَادٍ":
- يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالظَّاهِرِ: نُعُوتَ الْمَخْلُوقِينَ، وَصِفَاتِ المحدثين؛ مِثْلُ أَنْ يُرَادَ بِكَوْنِ "الله قَبِلَ وَجْهِ الْمُصَلِّي" أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي الْحَائِطِ الَّذِي يُصَفي إلَيْهِ، وَإِنَّ "اللهَ مَعَنَا" ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إلَى جَانِبِنَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ.
وَمَن قَالَ: إنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ: فَقَد أَصَابَ فِي الْمَعْنَى، لَكِنْ أَخْطَأَ بِإِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْمُحَالَ لَيْسَ فوَ الظَّاهِرُ.
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُمْتَنِعُ صَارَ يَظْهَرُ لِبَعْضِ النَّاسِ، فَيَكونُ الْقَائِل لِذَلِكَ مُصِيبًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، مَعْذُورًا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ.
فَإنَّ الظُّهُورَ وَالْبُطُونَ قَد يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَهُوَ مِن الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ.
وَكَانَ أَحْسَن مِن هَذَا أَنْ يُبَيِّنَ لِمَن اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الظَّاهِرَ، حَتَّى يَكُونَ قَد أَعْطَى كَلَامَ اللّهِ وَكَلَامَ رَسُولِهِ حَقَّهُ لَفْظًا وَمَعْنى.
(١) أي: الصفات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute