وَلهَذَا لَمَّا أَمَرَ اللهُ بِالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجّ كَانَ الْوَاجِبُ الْإِتْمَامَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: ١٢٤]، وَقَالَ: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)} [النجم: ٣٧].
وَلَمَّا نَهَى عَن الْقَتْلِ وَالزنى وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ كَانَ نَاهِيًا عَن أَبْعَاضِ ذَلِكَ؛ بَل وَعَن مُقَدِّمَاتِهِ أَيْضًا وَإِن كَانَ الِاسْمُ لَا يَتَنَاوَلُهُ فِي الْإِثْبَاتِ. [١٤/ ٩٧]
* * *
النَّفْسُ مَشْحُونَةٌ بِحبِّ الْعُلُوِّ وَالرِّيَاسَةِ بِحَسَبِ إمْكَانِهَا:
٥٣٨٦ - لَوْلَا أَنَّ فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِن جِنْسِ مَا كَانَ فِي نُفُوسِ الْمُكَذِّبينَ لِلرُّسُلِ -فِرْعَوْنَ وَمَن قَبْلَهُ- لَمْ يَكُن بِنَا حَاجَةٌ إلَى الِاعْتِبَارِ بِمَن لَا نُشْبِهُهُ قَطُّ. وَلَكِنَّ الْأَمْرَ كما قَالَ تَعَالَى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت: ٤٣]، وَقَالَ: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)} [الذاريات: ٥٢] .. وَلهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَتَسْلُكُنَّ سَنَنَ مَن كانَ قَبْلَكمْ حَذْوَ الْقُذةِ بِالْقُذَّةِ حَتَى لَو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ. قَالُوا: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟ ".
قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: مَا مِن نَفْسٍ إلَّا وَفِيهَا مَا فِي نَفْسِ فِرْعَوْنَ غَيْرَ أَنَّ فِرْعَوْنَ قَدَرَ فَأَظْهَرَ، وَغَيْرَهُ عَجَزَ فَأَضْمَرَ.
وَذَلِكَ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اعْتَبَرَ وَتَعَرَّفَ نَفْسَة وَالنَّاسَ وَسَمِعَ أَخْبَارَهُمْ: رَأَى الْوَاحِدَ مِنْهُم يُرِيدُ لِنَفْسِهِ أَنْ تُطَاعَ وَتَعْلُو بِحَسَبِ قُدْرَتهِ.
فَالنَّفْسُ مَشْحُونَةٌ بِحُبّ الْعُلُوِّ وَالرِّيَاسَةِ بِحَسَبِ إمْكَانِهَا، فَتَجِدُ أَحَدَهُم يُوَالِي مَن يُوَافِقُهُ عَلَى هَوَاهُ، وَيُعَادِي مَن يُخَالِفُهُ فِي هَوَاهُ، وَإِنَّمَا مَعْبُودُهُ: مَا يَهْوَاهُ وَيُرِيدُهُ. قَالَ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣)} [الفرقان: ٤٣].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute