فَامْتَنَعُوا إلَّا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، أَو يُقَاتِلُوهُ، فَقَاتَلُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ وَطَائِفَةً مِن أَهْلِ بَيْتِهِ وَغَيْرِهِمْ.
ثُمَّ حَمَلُوا ثِقْلَهُ وَأَهْلَهُ إلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيةَ إلَى دِمَشْقَ وَلَمْ يَكُن يَزِيدُ أَمَرَهُم بِقَتْلِهِ وَلَا ظَهَرَ مِنْهُ شرُورٌ بِذَلِكَ وَرِضًا بِهِ؛ بَل قَالَ كَلَامًا فِيهِ ذَمٌّ لَهُمْ.
لَكنَّهُ مَعَ هَذَا لَمْ يُقِمْ حَدَّ اللهِ عَلَى مَن قَتَلَ الْحُسَيْنَ -رضي الله عنه-، وَلَا انْتَصَرَ لَهُ؛ بَل قَتَلَ أَعْوَانَهُ لِإِقَامَةِ مُلْكِهِ. [٤/ ٥٠٥ - ٥٠٦]
* * *
(مصيبة مقتل الْحُسَيْن -رضي الله عنه-، وأين دُفن، وأين موضع رأسِه؟ مع بيان عدم صحة نسبة القبور المشهورة لأصحابها)
٥٢٢٥ - الْحُسَيْنُ -رضي الله عنه-: قُتِلَ بِكَرْبَلَاءَ قَرِيبٌ مِن الْفُرَاتِ، وَدُفِنَ جَسَدُهُ حَيْثُ قُتِلَ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ إلَى قُدَّامِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ بِالْكُوفَةِ، هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" وَغَيْرُهُ مِن الْأَئِمَّةِ.
وَأَمَّا حَمْلُهُ إلَى الشَّامِ إلَى يَزِيدَ: فَقَد رُوِيَ ذَلِكَ مِن وُجُوهِ مُنْقَطِعَةٍ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْهَا؛ بَل فِي الرِّوَايَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِن الْكَذِبِ الْمُخْتَلَقِ.
وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَوْضِعِ رَأسِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ -رضي الله عنهما- هُوَ مَا ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بكار فِي كِتَابِ "أَنْسَابِ قُرَيْشٍ" -وَالزُّبَيْرُ بْنُ بكار هُوَ مِن أَعْلَمِ النَّاسِ وَأَوْثَقِهمْ فِي مِثْل هَذَا- ذَكَرَ أَنَّ الرَّأْسَ حُمِلَ إلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَدُفِنَ هُنَاكَ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ؛ فَإِنَّ هُنَاكَ قَبْرَ أَخِيهِ الْحَسَنِ، وَعَمِّ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ، وَابْنِهِ عَلِيٍّ، وَأَمْثَالِهِمْ.
وَالْحُسَيْنِ -رضي الله عنه- أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالَى بِالشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ (١)، وَأَهَانَ بِذَلِكَ مَن قَتَلَهُ، أَو أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ، أَو رَضِيَ بِقَتْلِهِ، وَلَهُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ بِمَن سَبَقَهُ مِن
(١) العاشر من محرم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute