وَإِذَا قِيلَ: إنَّ الْآيَةَ تَتَضَمَّن بَعْدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْآخَرِ، وَهُوَ أَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا لِيَهْتَدُوا ويعْرِفُوا الْحَقَّ ويُؤْمِنُوا حَتَّى تَأْتِيَهُم الْبَيِّنَةُ، إذ لَا طَرِيقَ لَهُم إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ إلَّا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنَ اللهِ أَيْضًا، أَو لَمْ يَكُونُوا مُنْتَهِينَ مُتَّعِظِينَ وَاِن عَرَفُوا الْحَقَّ حَتَّى يَأتِيَهُم مِنَ اللهِ مَن يُذَكرُهُمْ.
فَهَذَا الْمَعْنَى. لَا يُنَاقِضُ ذَاكَ.
بِخِلَافِ قَوْلِ مَن قَالَ: لَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْل الْكِتَابِ تَارِكِينَ لِمَعْرِفَةِ محَمَّدٍ وَلذِكْرِهِ، وَلَمْ يَكُونُوا مُتَفَرِّقِينَ فِيهِ؛ بَل مُتَّفِقِينَ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ حَتَّى جَاءَتْهُم الْبَيِّنةُ فَتَرَكُوا الْإِيمَانَ بِهِ وَتَفَرَّقُوا: فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا. [١٦/ ٤٩٥ - ٥٠٥]
* * *
[سورة التكاثر]
١٦٠٨ - سُورَةُ التَّكَاثُرِ: قِيلَ فِيهَا: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)} [التكاثر: ٢]: تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الزَّائِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَنْتَقِلَ عَن مَزَارِهِ، فَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى الْبَعْثِ.
ثُمَّ قَالَ: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)} [التكاثر: ٣، ٤] فَهَذَا خَبَرٌ عَن عِلْمِهِمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
ثُمَّ قَالَ: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥)} [التكاثر: ٥] فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى عِلْمِهِمْ فِي الْحَالِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: لَكَانَ الْأَمْرُ فَوْقَ الْوَصْفِ، وَلَعَلِمْتُمْ أَمْرًا عَظِيمًا، وَلَأَلْهَاكُمْ عَمَّا أَلْهَاكُمْ، فَإنَّ الِالْتِهَاءَ بِالتَّكَاثُرِ إنَّمَا وَقَعَ مِن الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ الْيَقِينِ. وَحَذْفُ جَوَابِ (لَوْ) كثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ؛ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَفْخِيمًا، فَإِنَّهُ أَعْظَم مِن أَنْ يُوصَفَ أَو يُتَصوَّرَ بِسَمَاعِ لَفْظٍ، إذ الْمُخْبرُ لَيْسَ كَالْمُعَايِنِ، وَلهَذَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْقَسَمِ عَلَى الرُّؤْيَةِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْيَقِينِ، الَّتِي هِيَ فَوْقَ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ عِلْمُ الْيَقِينِ، فَقَالَ: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)} [التكاثر: ٦، ٧] وَهَذَا الْكَلَام جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذوفٍ مُسْتَقْبَلٍ، مَعَ كَوْنِ جَوَابِ (لَوْ) مَحْذُوفًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِلَوْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute