وقد ثبت النهي عن رفع الصوت في المساجد، لا بقراءة القرآن ولا بغيره، ففي مسندِ الإمام أحمد (١١٨٩٦) بإسنادٍ صحيح، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءةِ". فإذا كان رفع الصوت بالقرآن منهيًا عنه، وهو عبادة عظيمة، فكيف إذا كان رفع الصوت بغير القرآن، بل وكيف إذا كان الذي يرفع صوته يعبث وبضحك، فهذا من أعظم المنكرات، وأشد المنهيات، والسكوتُ عن إنكارِ ذلك يُوجب سخط الله ومقتَه. قال ابن عبد البر رحمه الله: حَرَامٌ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَتَحَدَّثُوا فِي الْمَسْجِدِ بِمَا يُشْغِلُ الْمُصَلِّي عَنْ صَلَاتِهِ، وَيُحَفطُ عَلَيْهِ قِرَاءَتَهُ. وَوَاجِبٌ لَازِمٌ عَلَى كُل مَنْ يُطَاعُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُصَلِّي التَّالِي لِلْقُرْآنِ، فَأَيْنَ الْحَدِيث بِأَحَادِيثِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. الاستذكار (١/ ٤٣٥). وقال رحمه الله: وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِلتَّالِي الْمُصَلِّي رَفْعُ صَوْتِهِ لِئَلَّا يُغَلِّطَ وَيُخَلِّطَ عَلَى مُصَلٍّ إِلَى جَنْبِهِ، فَالْحَدِيثُ فِي الْمَسْجِدِ مِمَّا يُخَلِّظ عَلَى الْمُصَلِّي أَوْلَى بذَلِكَ وَأَلْزَمُ وَأَمْنَعُ وَأَحْرَمُ. وَإِذَا نُهِيَ الْمُسْلِمُ عَنْ أَذَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي عَمَلِ الْبِرِّ وَتلَاوَةِ الْكِتَابِ، فَأَذَاهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا. ا هـ. التمهيد (٣٢/ ٣١٩). ومن الأمور الْمُنكرة الْمُحدثة: جهرُ بعض المأمومين في القراءة السرية، ورفعُ أصواتهم بالتكبير والأذكار والدعاء. قلَّ أنْ تصليَ بجوار أحدٍ إِلَّا سمعتَ قراءته للفاتحة، وسمعتَ تحميده بعد الركوع، وسمعتَ تسبيحه في سجوده، وسمعتَ دعاءه بين السجدتين، كان الصلاةَ أصبحت جهرية، هذا من بدع الصلاة، أن تكون الأذكارُ سريةَ فيجهر بها. وفعلُه هذا سَيُشَوِّشُ به على مَن بجواره، فلا يكاد مَن يُصلي بجواره أنْ يخشعَ في صلاته، بل ربَّما لا يتمكن من قراءةِ ما يجب عليه في صلاته. وهكذا في تكبيرة الإحرام، وتكبيرات الانتقال، إذا كبَّر الإمام تكبيرة الإحرام، رفع بعضُ الناس صوته بالتكبير، وإذا رفع من الركوع، قال بصوتٍ يسمعه مَن بجواره: ربنا ولك الحمد. وكلُّ هذا من الخطأ الذي يجب الكفّ عنه. (٢) والإمام رحمه الله الألباني يرى أن تقبيل المصحف بدعة، والأظهر أنه إذا كان على سبيل الدوام =