الْمَقْدُورَ هُوَ الدُّعَاءُ وَالْإِجَابَةُ، وَمِنْهُم مَن يَعْصِيهِ فَلَا يَدْعُو فَلَا يُحَصِّلُ مَا عُلِّقَ بِالدُّعَاءِ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَعْلُومِ الْمَقْدُورِ الدُّعَاءُ وَلَا الْإِجَابَةُ.
فَالدُّعَاءُ الْكَائِنُ: هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ كَائِنٌ، وَالدُّعَاءُ الَّذِي لَا يَكُونُ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ الْأَمْرِ فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ مِن الدُّعَاءِ؟
قِيلَ: الْأَمْرُ هُوَ سَبَبٌ أَيْضًا فِي امْتِثَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ؛ فَالدُّعَاءُ سَبَبٌ يَدْفَعُ الْبَلَاءَ، فَإِذَا كَانَ أَقْوَى مِنْهُ دَفَعَهُ، وَإِن كَانَ سَبَبُ الْبَلَاءِ أَقْوَى لَمْ يَدْفَعْهُ، لَكِنْ يُخَفِّفُهُ وَيُضْعِفُهُ، وَلهَذَا أُمِرَ عِنْدَ الْكُسُوفِ وَالْآيَاتِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ. [٨/ ١٩٢ - ١٩٦]
* * *
[أنواع الإرادة والفرق بينهما]
٦٠٦ - إِرَادَته -سُبْحَانَهُ- قِسْمَانِ:
أ- إرَادَةُ أَمْرٍ وَتَشْرِيعٍ.
ب- وَإِرَادَةُ قَضَاءٍ وَتَقْدِيرٍ.
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّاعَاتِ دُونَ الْمَعَاصِي، سَوَاءٌ وَقَعَتْ أو لَمْ تَقَعْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٦].
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ إرَادَةُ التَّقْدِيرِ، فَهِيَ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِ الْحَادِثَاتِ، وَقَد أَرَادَ مِن الْعَالَمِ مَا هُم فَاعِلُوهُ بِهَذَا الْمَعْنَى، لَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٥]، وَفِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ} [هود: ٣٤]، وَفِي قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute