وَالْمَعْصِيَةَ بِالطَّاعَةِ مِن أَنْفُسِنَا وَمِن عِنْدِنَا، فَكُلُّ مَن كَفَرَ أَو فَسَقَ أَو عَصَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ، وَإِن كَانَ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُ عَن الْمُنْكَرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَيُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِن كَانَ مَا يَعْمَلُهُ مِن الْمُنْكَرِ وَالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ بِقَدَرِ اللهِ، لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدَعَ السَّعْيَ فِيمَا يَنْفَعُهُ اللهُ بِهِ مُتَّكِلًا عَلَى الْقَدَرِ.
فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ رحمهُ اللهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ. [٨/ ٥٤٧ - ٥٤٨]
* * *
(صحة عبارة: أَبْرَأُ مِن الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَّا إلَيْهِ)
٦٤٥ - وَسُئِلَ: عَن قَوْلِ الْخَطِيبِ بْنِ نباتة: أَبْرَأُ مِن الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَّا إلَيْهِ، فَأَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِحَذْفِ الِاسْتِثْنَاءِ، بِأَنْ تَقُولَ: أَبْرَأُ مِن الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَيْهِ .. فَهَل أَصَابَ الْمُنْكِرُ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: مَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْآخَرُ مِن حَذْفِ الِاسْتِثْنَاءِ لَهُ مَعْنًى آخَرُ صَحِيحٌ.
فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: بَرِئْتُ مِن الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَيْهِ: كَانَ الْمَعْنَى: بَرِئْتُ إلَيْهِ مِن حَوْلِي وَقوَّتِي؛ أَيْ: مِن دَعْوَى حَوْلِي وَقُوَّتِي، كَمَا يُقَالُ: بَرِئْتُ إلَى فُلَانٍ مِن الدَّيْنِ، ذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ فِي فَصِيحِهِ.
وَالْمَعْنَى: بَرِئْتُ إلَيْهِ مِن هَذَا .. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ" (١).
وَالْخَطِيبُ لَمْ يُرِدْ هَذَا الْمَعْنَى؛ بَل أَرَادَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِن أَنْ يُلْجِئَ ظَهْرَهُ إلَّا إلَى اللهِ، وَيُفَوِّضَ أَمْرَهُ إلَّا إلَى اللهِ، وَيَتَوَجَّهَ فِي أَمْرِهِ إلَّا إلَى اللهِ، وَيَرْغَبَ فِي أَمْرِهِ إلَّا إلَى اللهِ.
(١) رواه البخاري (٤٣٣٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute