للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(معني قوله تعالى: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [البقرة: ١٤٣])

٦٣٩ - قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: ١٤٣]، وَقَوْلُهُ: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢)} [الكهف: ١٢] وَنَحْوُ ذَلِكَ: هَذَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ.

وَالْأَوَّلُ: هوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ، وَمُجَرَّدُ ذَلِكَ الْعِلْمِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ، وَلَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُون بَعْدَ وُجُودِ الْأَفْعَالِ.

وَقَد روِيَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا: لِنَرَى.

وَكَذَلِكَ الْمُفَسِّرُونَ قَالُوا: لِنَعْلَمَهُ مَوْجُودًا بَعْدَ أَنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَكُونُ.

وَهَذَا الْمُتَجَدِّدُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلنُّظَّارِ:

مِنْهُم مَن يَقُولُ: الْمُتَجَدِّدُ هُوَ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمَعْلُومِ فَقَطْ، وَتِلْكَ نِسْبَةٌ عَدَمِيَّةٌ.


= شئتم السرقة؟ لا؛ بل سيُجيبه رجال الشرطة بقولهم: نحن لم نُجْبِرْك على السرقة، وأنت تعرف أن السرقة ممنوعة، وأن السارق يعاقب، فأنت سرقت بإرادتك ومشيئتك.
فإرادةُ السارق تحت إرادة الشرطة، كلُّ واحدٍ منهما له إرادةٌ؛ فالسارق سرق بإرادته، والشرطة مكنته من السرقة بإرادتها، ولو شاءت لمنعته، ولكن لم تفعل ذلك: لتُقيم عليه الحجة، ولتُمسكه مُتلبِّسًا بجريمته.
ومثال آخر: لو أن دولةً منعت رعاياها من السفر إلى دولة معينة، وأن من يسافر إليها سيوقع عليها أشد العقوبة، فقام شخص من الناس من قطع تذكرة والتوجه إلى المطار ثم السفر إلى تلك الدولة، كلُّ هذا ودولته تعلم عنه ولكنها تركته لتعاقبه، فلما عاد ألقي عليه القبض، فلما علم أن دولته تعلم عن سفره ولم تمنعه، اعترض قائلًا: أنتم سمحتم لي ولم تمنعوني من السفر، فقالت له دولته: صحيحٌ أنك سافرت تحت مشيئتنا، ولو أردنا لمنعناك، ولكننا تركناك تفعل ما تشاء لكي نعاقبك، ونُمسكك مُتلبِّسًا بفعلك، ونُقيم الحجة عليك.
ولله المثل الأعلى، فالعبد له إرادة ومشيئة، ولله إرادة ومشيئة، فالعبد يفعل ما يشاء باختياره وإرادته، لكنه تحت مشيئة الله تعالى ونظره وإحاطته، فإن أراد مَنْعَه مَنَعه، وإن أراد هدايته يسَّر له الأسباب، وفتح له الأبواب، وإن أراد خذلانه، تركه ونفسه، ولم يمنع الشياطين من التسلط عليه. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>