١٤٨٧ - قَوْلُهُ تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣]، الْإِدْرَاكُ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأكْثَرِينَ هُوَ الْإِحَاطَةُ، وَقَالَ طَائِفَةٌ: هُوَ الرُّؤْيةُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الرُّويَةِ عَنْهُ لَا مَدْحَ فِيهِ؛ فَإِنَّ الْعَدَمَ لَا يُرَى، وَكُلُّ وَصْفٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا فَلَا يَكونُ فِيهِ مَدْحٌ، إذ هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ: لَا يُحَاطُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَإِنَّ الْعِبَادَ مَعَ رُؤْيتِهِمْ لَهُ لَا يُحِيطُونَ بِهِ رُؤَيةً، كَمَا أَنَّهُم مَعَ مَعْرِفَتِهِ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، وَكَمَا أَنَّهُم مَعَ مَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ لَا يُحِيطُونَ ثَنَاءً عَلَيْهِ، بَل هُوَ كمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ. [١٧/ ١١١]
١٤٨٨ - قَالَ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: ١٢٢]، فَالْإِيمَانُ الَّذِي يَهَبُهُ اللهُ لِعَبْدِهِ سَمَّاهُ نُورًا، وَسمّى الْوَحْي النَّازِل مِن السَّمَاءِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْإِيمَانُ {نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: ٥٢].
وَلَا ريبَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَق وَالْبَاطِلِ، بَل يُفَرِّقُ بَيْنَ أعْظَمِ الْحَقِّ.
لَكِنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بأَنَّ كُلَّ مَن لَهُ إيمَانٌ: يُفَرِّقُ بِمُجَرَّدِ مَا أُعْطِيَهُ مِن الْإِيمَانِ بَيْنَ كُلِّ حَقٍّ وَكُلِّ بَاطِل (١). [٧/ ٦٥٠]
* * *
[سورة الأعراف]
١٤٨٩ - قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} [الأعراف: ٥٥، ٥٦]: هَاتَانِ الْآيَتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى آدَابِ نَوْعَي الدُّعَاءِ: دُعَاءِ الْعِبَادَةِ وَدُعَاءِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِي الْقرْآنِ يُرَادُ بِهِ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، ويُرَادُ بِهِ مَجْموعُهُمَا؛ وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ.
(١) بل لا بدّ من العلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute