للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ضلال المتصوفة، ومنهم الغزالي]

٢٣٩ - إنَّ الْمُنْحَرِفِينَ الْمُشَابِهِينَ لِلصَّابِئَةِ: إمَّا مُجَرِّدَةٌ، وَإِمَّا مُنْحَرِفَةٌ إلَى يَهُودِيَّةٍ أَو نَصْرَانِيَّةٍ مَن أَهْلِ الْمَنْطِقِ وَالْقِيَاسِ، الطَّالِبِينَ لِلْعِلْمِ وَالْكَلَامِ، وَمِن أَهْلِ الْعَمَلِ وَالْوَجْدِ الطَّالِبِينَ لِلْمَعْرِفَةِ وَالْحَالِ: سَلَكُوا فِي أَصْلِ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ طَرِيقَيْنِ .. وَأَكْثَرُهُم لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ إلَيْهِ طَرِيق إلَّا أَحَدُ هَذَيْنِ؛ كَمَا يَذْكُرُهُ جَمَاعَات: مِثْل ابْنِ الْخَطِيبِ، وَمَن نَحَا نَحْوَهُ؛ بَل مِثْلُ أَبِي حَامِدٍ لَمَّا حَصَرَ الطُّرُقَ فِي الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ الَّذِي هُوَ النَّظَرُ وَالْقِيَاسُ، أَو فِي التَّصَوُّفِ وَالْعِبَادَةِ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ وَالْوَجْدُ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الْأصْنَافِ الثَّلَاثَةِ.

بَل أَبُو حَامِدٍ لَمَّا ذَكَرَ فِي الْمُنْقِذِ مِن الضَّلَالِ (١) .......................


(١) وهو مطبوعٌ بتحقيق: الدكتور عبد الحليم محمود.
وقد ذكر فيه ما وقع فيه من الحيرة والتردد والتقلبات الفكرية والنظرية والعملية، وإليك ملخص كلامه: "لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية، وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل، وكان حاصل علومهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله. وكان العلم أيسر علي من العمل؛ فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم.
ولم يبق إِلَّا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم، بل بالذوق والسلوك.
وكان قد ظهر عندي أنه لا مطمع لي في سعادة الآخرة إِلَّا بالتقوى، وكف النفس عن الهوى، وأن رأس ذلك كله: قطع علاقة القلب عن الدنيا، بالتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى، وأن ذلك لا يتم إِلَّا بالاعراض عن الجاه والمال، والهرب من الشواغل والعلائق.
ثم لاحظت أحوالي، فإذا أنا منغمس في العلائق، وقد أحدقتْ بي من الجوانب، ولاحظت أعمالي -وأحسنها التدريس والتعليم- فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة، ولا نافعة في طريق الآخرة.
ثم تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت، فتيقنت أني على شفا جرف هار، وأني قد أشفيت على النار، إن لم أشتغل بتلافي الأحوال. فلم أزل أتفكر فيه مدة، وأنا بعد على مقام الاختيار، أصمم العزم على الخروج من بغداد ومفارقة تلك الأحوال يومًا، وأحل العزم يوما، وأقدم فيه رجلًا وأؤخر عنه أخرى.
فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا، ودواعي الآخرة، قريبًا من ستة أشهر، أولها رجب سنة ئمان وثمانين وأربع مئة". =

<<  <  ج: ص:  >  >>