فَالنَّفْسُ بِفِطْرَتِهَا إذَا تُرِكَتْ كَانَت مُحِبَّةً للهِ تَعْبُدُهُ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ يُفْسِدُهَا مَن يُزَيِّنُ لَهَا مِن شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ.
الثَّانِي: أَنَّ اللهَ تَعَالَى هَدَى النَّاسَ هِدَايَةً عَامَّةً، بِمَا جَعَلَ فِيهِمْ مِن الْعَقْلِ، وَبِمَا أَنْزَلَ إلَيْهِم مِن الْكُتُبِ، وَأَرْسَلَ إلَيْهِم مِن الرُّسُلِ، قَالَ تَعَالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)} [العلق: ١]-إلَى قَوْلِهِ-: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ٥].
فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَقْتَضِي مَعْرِفَتَهُ بِالْحَقِّ وَمَحَبَّتَهُ لَهُ، وَقَد هَدَاهُ إلَى أَنْوَاعٍ مِن الْعِلْمِ، يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، وَجَعَلَ فِي فِطْرَتِهِ مَحَبَّةً لِذَلِكَ.
لَكِنْ قَد يُعْرِضُ الْإِنْسَانُ عَن طَلَبِ عِلْمِ مَا يَنْفَعُهُ، وَذَلِكَ الْإِعْرَاضُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ، لَكِنَّ النَّفْسَ مِن لَوَازِمِهَا الْإِرَادَةُ وَالْحَرَكَةُ، فَإِنَّهَا حَيَّةٌ حَيَاةً طَبِيعِيَّةً، لَكِنَّ سَعَادَتَهَا أَنْ تَحْيَا الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ فَتَعْبُدَ اللهَ، وَمَتَى لَمْ تَحْيَا هَذِهِ الْحَيَاةَ كَانَت مَيِّتَةً، وَكَانَ مَا لَهَا مِن الْحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ مُوجِبًا لِعَذَابِهَا، فَلَا هِيَ حَيَّةٌ مُتَنَعِّمَةٌ بالْحَيَاةِ، وَلَا مَيِّتَةٌ مُسْتَرِيحَةٌ مِن الْعَذَابِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣)} [الأعلى: ١٣]؛ فَالْجَزَاءُ مِن جِنْسِ الْعَمَلِ، لَمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ بِحَيٍّ الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ، وَلَا مَيِّتًا عَدِيمَ الْإِحْسَاسِ: كَانَ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِكَ.
وَالنَّفْسُ إنْ عَلِمَت الْحَقَّ وَأَرَادَتْهُ فَذَلِكَ مِن تَمَامِ إنْعَامِ اللهِ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَهِيَ بِطَبْعِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِن مُرَادٍ مَعْبُودٍ غَيْرِ اللهِ، وَمُرَادَاتٍ سَيِّئَةٍ. [٨/ ٢٠٥ - ٢٠٦]
* * *
(مَا خَلَقَة الله فَهُوَ نِعْمَةٌ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الشُّكْرَ)
٦٠٩ - قَد بَيَّنَّا بَعْضَ مَا فِي خَلْقِ جَهَنَّمَ، وَإِبْلِيسَ، وَالسَّيِّئَاتِ، مِن الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَمَا لَمْ نَعْلَمْ أَعْظَمُ.
وَاللهُ سبحانه وتعالى يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَالْحُبَّ وَالرِّضَا:
أ- لِذَاتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute