(هل التَّصَرُّفُ وَالضَّمَان مُتَلَازَمَانِ؟)
٤٠٤١ - المتأخرون مِن أَصْحَابِ أَحْمَد مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ يَقُولُونَ بِتَلَازُمِ التَّصَرُّفِ وَالضَّمَانِ، فَعِنْدَهُم أَنَّ مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِيهِ؛ وَلِهَذَا طَرَدَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ عَلَى الشَّجَرِ فَلَمْ يَقُلْ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَهَا وَجَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهَا صَارَ ضَمَانُهَا عَلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي مَذْهَبِ أَحْمَد الَّذِي ذَكَرَهُ الخرقي وَغَيْرُهُ مِن الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ أُصُولُ أَحْمَد: أَنَّ الضَّمَانَ وَالتَّصَرُّفَ لَا يَتَلَازَمَانِ؛ وَلِهَذَا كَانَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد أَنَّ الثِّمَارَ إذَا تَلِفَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِ الْمُشْتَرِي مِن جُذَاذِهَا: كَانَت مِن ضَمَانِ الْبَائِعِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَجَوَّزَ تَصَرُّفَهُ فِيهَا مَعَ كَوْنِ ضَمَانِهَا عَلَى الْبَائِعِ.
وَقَد ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ أَنَّ الثِّمَارَ مِن ضَمَانِ الْبَائِعِ؛ كَمَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَن جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إذَا بِعْت مِن أَخِيك ثَمَرَةً فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِن ثَمَنِهَا شَيْئًا، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِحَقٍّ؟ ".
وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ تُوَافِقُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ:
- فَلَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى شَخْصٍ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ؛ كَالْمَغْصُوبِ وَالْعَارَيةِ.
- وَلَيْسَ كُلُّ مَا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُتَصَرِّفِ؛ كَالْمَالِكِ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُعَارِ فَيَبِيعُ الْمَغْصُوبَ مِن غَاصِبِهِ وَمِمَن يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ مِنْهُ، وَإِن كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ.
- كَمَا أَنَّ الضَّمَانَ بِالْخَرَاجِ (١)، فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا اُتُّفِقَ مِلْكًا وَيَدًا، وَأَمَّا إذَا
(١) أصل هذا حديث صحيح بلفظ: "الخراج بالضمان"؛ أي: من له ربح شيء فعليه خسارته.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute