للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِن جِنْسِ كَوْنِهِ نَافِعًا وَضَارًّا، وَمُلَائِمًا ومُنَافِرًا، وَصِدِّيقًا وَعَدُوًّا، وَنَحْو هَذَا مِنَ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمَوْصُوفِ الَّتِي تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ، فَقَد يَكُونُ الشَّيءُ نَافِعًا فِي وَقْتٍ ضَارًّا فِي وَقْتٍ، وَالشَّيْءُ الضَّارُّ قَد يُتْرَكُ تَحْرِيمُهُ إذَا كَانَت مَفْسَدَةُ التَّحْرِيمِ أَرْجَحَ، كَمَا لَو حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ كَانَت قَد اعْتَادَتْهَا عَادَة شَدِيدَةً، وَلَمْ يَكُن حَصَلَ عِنْدَهُم مِن قُوَّةِ الْإِيمَانِ مَا يَقْبَلُونَ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ، وَلَا كَانَ إيمَانُهُم وَدِينُهُم تَامًّا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ نَقْصٌ إلَّا مَا يَحْصُلُ بِشرْبِ الْخَمْرِ مِن صَدِّهَا عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَن الصَّلَاةِ، فَلِهَذَا وَقَعَ التَّدْرِيجُ فِي تَحْرِيمِهَا (١).

وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ نَاشِئَةً مِن نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ فِي الْفِعْلِ أَلْبَتَّةَ مَصْلَحَةٌ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ ابْتِلَاءُ الْعَبْدِ هَل يُطِيعُ أَو يَعْصِي، فَإذَا اعْتَقَدَ الْوُجُوبَ وَعَزَمَ عَلَى الْفِعْلِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْأَمْرِ، فَيُنْسَخُ حِينَئِذٍ؛ كَمَا جَرَى لِلْخَلِيلِ فِي قِصَّةِ الذَّبْحِ (٢). [١٧/ ٢٠١ - ٢٠٣]

* * *

الرُّوحُ عَيْنٌ قَائِمَة بِنَفْسِهَا، تُفَارِقُ الْبَدَنَ، وَتُنَعَّمُ وَتُعَذَّبُ:

٥٣٩٧ - مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَانٍ وَسَائِرِ سَلَفِ الْأمَّةِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ: أَنَّ الرُّوحَ عَيْن قَائِمَة بِنَفْسِهَا، تُفَارِقُ الْبَدَنَ، وَتُنَعَّمُ وَتعَذَّبُ، لَيْسَتْ هِيَ الْبَدَنَ، وَلَا جُزْءًا مِن أَجْزَائِهِ كَالنَفَسِ الْمَذْكُورِ. [١٧/ ٣٤١]

* * *


(١) وهذا الجواب السديد الحكيم يُقال في الحكمة من تحريم المتعة بعد جوازها، وبما قرره الشيخ يزول الإشكال الذي قد يُطرح: لو كانت المتعة خبيثة وشبيهة بالزنى لما أبيحت في الإسلام.
(٢) وهذا القسم الثالث لا وُجود له بعد اكتمال الدين، ووفاة رسول ربِّ العالمين -صلى الله عليه وسلم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>