للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَاخْتَارَ مَا نَحَتَهُ فِكْرُهُ عَلَى مَا تَلَقَّوْهُ عَن نَبِيِّهِمْ، وَتَلَقَّاهُ عَنْهُم مَن تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ.

وَلَقَد وَصَفُوا مِنْهُ مَا يَكْفِي، وَتَكَلَّمُوا مِنْهُ بِمَا يَشْفِي، فَمَن دُونَهُم مُقَصِّرٌ، وَمَن فَوْقَهُم مُفْرِطٌ (١)، لَقَد قَصَّرَ دُونَهُم أُنَاسٌ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ (٢) آخَرُونَ فَغَلَوْا، وَإِنَّهُم فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ. [٤/ ٧ - ٨]

* * *

[فضل أهل الحديث على غيرهم]

٣٤٥ - مِن الْمَعْلُومِ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يُشَارِكُونَ كُلَّ طَائِفَةٍ فِيمَا يَتَحَلَّوْنَ بِهِ مِن صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَيَمْتَازُونَ عَنْهُم بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ.

فَإِنَّ الْمُنَارعَ لَهُم لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ فِيمَا يُخَالِفُهُم فِيهِ طَرِيقًا أُخْرَى؛ مِثْل الْمَعْقُولِ، وَالْقِيَاسِ، وَالرَّأيِ، وَالْكَلَامِ، وَالنَّظَرِ، وَالِاسْتِدْلَالِ، وَالْمُحَاجَّةِ، وَالْمُجَادَلَةِ، وَالْمُكاشَفَةِ، وَالْمُخَاطَبَةِ، وَالْوَجْدِ، وَالذَّوْقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَكُلُّ هَذ الطُّرُقِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ صَفْوَتُهَا وَخُلَاصَتُهَا، فَهُم أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلًا، وَأَعْدَلُهُم قِيَاسًا، وَأَصْوَبُهُم رَأيًا، وَأَسَدُّهُم كَلَامًا، وَأَصَحُّهُم نَظَرًا، وَأَهْدَاهُم اسْتِدْلَالًا، وَأقْوَمُهُم جَدَلًا، وَأَتَمُّهُم فِرَاسَةً، وَأَصْدَقُهُم إلْهَامًا، وَأَحَدُّهُم بَصَرًا وَمُكَاشَفَةً، وَأَصْوَبُهُم سَمْعًا وَمُخَاطَبَةً، وَأَعْظَمُهُم وَأَحْسَنُهُم وَجْدًا وَذَوْقًا.

وَهَذَا (٣) هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَلِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْمِلَلِ.

فَكُلُّ مَن اسْتَقْرَأَ أَحْوَالَ الْعَالَمِ وَجَدَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدَّ وَأَسَدَّ عَقْلًا، وَأَنَّهُم


(١) أي: من أحدث في الدين فلا يخلو من صنفين:
الأول: إما أن يكون إنسانًا مُفَرِّطًا جدًّا فيما كانوا عليه غير تابع لهم.
الثاني: وإما أن يكون إنسانًا جريئًا غاليًا في الدين متنطّعًا، ويتبع سبيل غير المؤمنين.
(٢) أي: تجاوز وتعدى.
(٣) أي: ما تقدّم من الطرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>