فصْلٌ
فِي الْخِلَافَةِ وَالسُّلْطَانِ وَكَيْفِيَّةِ كَوْنِهِ ظِلَّ اللهِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠] .. وَقَوْلُهُ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠] يَعُمُّ آدَمَ وَبَنِيهِ، لَكِنَّ الِاسْمَ مُتَنَاوِلٌ لِآدَمَ عَيْنًا؛ كقَوْلِهِ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)} [التين: ٤]، وَقَوْلُهُ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤)} [الرحمن: ١٤]، وَقَوْلُهُ: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨)} [السجدة: ٧، ٨] إلَى أَمثَالِ ذَلِكَ.
وَالْخَلِيفَةُ: هُوَ مَن كَانَ خَلَفًا عَن غَيْرِهِ، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذَا سَافَرَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ في الْأَهْلِ" (١).
وَالْمُرَادُ بِالْخَلِيفَةِ: أَنَّهُ خَلَفَ مَن كَانَ قَبْلَهُ مِن الْخَلْقِ.
وَقَد ظَنَّ بَعْضُ الْقَائِلِينَ الغالطين -كَابْنِ عَرَبِيِّ- أَن الْخَلِيفَةَ هُوَ الْخَلِيفَةُ عَن اللهِ، مِثْل نَائِبِ اللهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْأِنْسَانُ مُسْتَخْلَفًا.
وَاللهُ لَا يَجُوزُ لَهُ خَلِيفَةٌ؛ وَلهَذَا لَمَّا قَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللهِ، قَالَ: لَسْت بِخَلِيفَةِ اللهِ، وَلَكِنِّي خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَسْبِي ذَلِكَ.
بَل هُوَ سُبْحَانَهُ يَكُونُ خَلِيفَةً لِغَيْرِهِ .. ؛ وَذَلِكَ لِأنَّ اللهَ حَي شَهِيدٌ مُهَيْمِنٌ قَيُّومٌ رَقِيب حَفِيظ غَنِيٌّ عَن الْعَالَمِينَ، لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ وَلَا ظَهِيرٌ، وَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ.
وَالْخَلِيفَةُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَخْلَفِ بِمَوْت أَو غَيْبَةٍ، وَيَكُونُ لِحَاجَةِ الْمُسْتَخْلِفِ إلَى الِاسْتِخْلَافِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ النَّبَوِيُّ: "السّلْطَانُ ظِلُّ اللهِ فِي الْأَرضِ يَأوِي إلَيْهِ كُلُّ
(١) رواه مسلم (١٣٤٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute