للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَتَرْكُ الْمَكْرُوهِ مُتَعيِّنٌ كَذَلِكَ: بِهِ تَزْكُو النَّفْسُ؛ فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ إذَا انْتَفَتْ عَنْهَا السَّيِّئَاتُ زَكَتْ، فَبِالزَّكَاةِ تَطِيبُ النَّفْسُ مِن الْخَبَائِثِ، وَتَعْظُمُ فِي الطَّاعَاتِ، كَمَا أَنَّ الزَّرْعَ إذَا أُزِيلَ عَنْهُ الدَّغَلُ زَكَا وَظَهَرَ وَعَظُمَ. [٧/ ٦٥٢ - ٦٥٣]

* * *

(هل الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ أَو غَيْرُ مَخْلُوقٍ)

٥٩٣ - أَمَّا الْإِيمَانُ: هَل هُوَ مَخْلُوقٌ أَو غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ فَالْجَوَابُ: أنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ نَشَأَ النِّزَاعُ فِيهَا لَمَّا ظَهَرَتْ مِحْنَةُ الْجَهْمِيَّة فِي الْقُرْآنِ: هَل هُوَ مَخْلُوقٌ أَو غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ وَهِيَ مِحْنَةُ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِن عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَد جَرَتْ فِيهَا أُمُورٌ يَطُولُ وَصْفُهَا هُنَا، لَكِنْ لَمَّا ظَهَرَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَطْفَأَ اللهُ نَارَ الْجَهْمِيَّة الْمُعَطِّلَةِ: صَارَتْ طَائِفَة يَقُوُلونَ: إنَّ كَلَامَ اللهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ مَخْلُوقٌ، وَيُعَبِّرُونَ عَن ذَلِكَ بِاللَّفْظِ، فَصَارُوا يَقُولُونَ:

- أَلْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقَةٌ.

- أَو تِلَاوَتُنَا.

- أَو قِرَاءَتُنَا مَخْلُوقَةٌ.

وَلَيْسَ مَقْصُودُهُم مُجَرَّدَ كَلَامِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ؛ بَل يُدْخِلُونَ فِي كَلَامِهِمْ نَفْسَ كَلَامِ اللهِ الَّذِي نَقْرَأُ بِأَصْوَاتِنَا وَحَرَكَاتِنَا.

وَعَارَضَهُم طَائِفَةٌ أُخْرَى فَقَالُوا: أَلْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ.

فَرَدَّ الْإِمَامُ أَحْمَد عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَالَ: مَن قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جهمي، وَمَن قَالَ: غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ.

وَتَكَلَّمَ النَّاسُ حِينَئِذٍ فِي الْإِيمَانِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ، وَأَدْرَجُوا فِي ذَلِكَ مَا تَكَلَّمَ اللهُ بِهِ مِن الْإِيمَانِ؛ مِثْل قَوْلِ لَا إلهَ إلَّا اللهُ، فَصَارَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَخْلُوقَةٌ وَلَمْ يَتَكَلَّم اللهُ بِهَا.

فبَدَّعَ الْإِمَامُ أَحْمَد هَؤُلَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>