للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(الرسالة القبرصيّة)

٣٤٨٢ - وَقَالَ -قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ-: (١) بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِن أَحْمَد ابْنِ تَيْمِيَّة إلَى سرجوان عَظِيمِ أَهْلِ مِلَّتِهِ وَمَن تَحُوطُ بِهِ عِنَايَتُهُ مِن رُؤَسَاءِ الدِّينِ وَعُظَمَاءِ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْكُتَّابِ وَأَتْبَاعِهِمْ، سَلَامٌ عَلَى مَن اتَّبَعَ الْهُدَى.

أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّا نَحْمَدُ إلَيْكُم اللهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إلَهَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُصْطَفِينَ وَأَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ، وَيَخُصُّ بِصَلَاتِهِ وَسَلَامِهِ أُولِي الْعَزْمِ الَّذِينَ هُم سَادَةُ الْخَلْقِ وَقَادَةُ الْأُمَمِ، الَّذِينَ خُصُّوا بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ وَهُم: نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ، وَأَظْهَرَ فِيهِمْ آثَارَ مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتهِ وَرَحْمَتهِ، وَجَعَلَ الْمَقْصُودَ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ فِيمَا أَمَرَهُم بِهِ هُوَ عِبَادَتهُ.

وَأَصْلُ ذَلِكَ هُوَ مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ، فَمَن هَدَاهُ الله صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ آتَاهُ رَحْمَةً وَعِلْمًا، وَمَعْرِفَةً بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا، وَرَزَقَهُ الْإنَابَةَ إلَيْهِ، وَالْوَجَلَ لِذِكْرِهِ وَالْخُشُوعَ لَهُ وَالتَّأَلُّهَ لَهُ، فَحَنَّ إلَيْهِ حَنِينَ النُّسُورِ إلَى أَوْكَارِهَا، وَكَلَفَ (٢) بِحُبِّهِ تَكَلُّفَ الصَّبِيَّ بِأُمَّهِ، لَا يَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ رَغْبَةً وَرَهْبَةً وَمَحَبَّةً، وَأَخْلَصَ دِينَهُ لِمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَهُ رَبَّ الْأوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، خَالِقِ مَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الَّذِي أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

وَقَد أَخْبَرَ الْحَوَارِيُّونَ عَن خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ أَنَّهُ يُبْعَثُ مِن أَرْضِ الْيَمَنِ، وَأَنَّهُ


(١) الرسالة القبرصية أرسلها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى ملك قبرص يحثه فيها على إطلاقِ أسارى المسلمين.
(٢) قال صاحب العين: الكَلَفُ: الإيلاع بالشيء، كَلِفَ بهذا الأمر وبهذه الجارية فهو بها كَلِفٌ، وكَلِفتُ هذا الأمر وتكلَّفْته. اهـ.
قلت: ومنه قولهم: "لَا يَكُن حُبُّكَ كَلَفًا، وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>