سَمِعَ الْمُتَعَلِّمُ مِن الْعَالِمِ حَدِيثًا فَإِنَّهُ يَرْغَبُ فِي فَهْمِهِ، فَكَيْفَ بِمَن يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ مِن الْمُبَلِّغِ عَنْهُ؟
بَل وَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّ رَغْبَةَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- فِي تَعْرِيفِهِمْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ مِن رَغْبَتِهِ فِي تَعْرِيفِهِمْ حُرُوفَهُ؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْحُرُوفِ بِدُونِ الْمَعَانِي لَا تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ؛ إذ اللَّفْظُ إنَّمَا يُرَادُ لِلْمَعْنَى.
الْوَجْهُ الثانِي: أَنَّ اللهَ -سبحانه وتعالي- قَد حَضَّهُم عَلَى تَدَبُّرِهِ وَتَعَقُّلِهِ وَاتِّبَاعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: ٢٩].
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)} [يوسف: ٢] فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَنْزَلَة عَرَبِيًّا لِأَنْ يَعْقِلُوا، وَالْعَقْلُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِمَعَانِيهِ. [٥/ ١٥٤ - ١٥٨]
* * *
(وُجُوبُ إثْبَاتِ الْعُلُوِّ للهِ تَعَالَى وَنَحْوِهِ يَتَبَيَّنُ مِن وُجُوهٍ)
٤٤٤ - وُجُوبُ إثْبَاتِ "الْعُلُوّ للهِ تَعَالَى" وَنَحْوِهِ يَتَبَيَّنُ مِن وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الْمُسْتَفِيضَةَ الْمُتَوَاتِرَةَ وَغَيْرَ الْمُتَوَاتِرَةِ وَكَلَامَ السَّابِقِينَ وَالتَابعِينَ وَسَائِرِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ: مَمْلُوءٌ بِمَا فِيهِ إثْبَاتُ الْعُلُوّ للهِ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ بِأَنْوَاعِ مِن الدَّلَالَاتِ، وَوُجُوهٍ مِن الصِّفَاتِ، وَأَصْنَافٍ مِن الْعِبَارَاتِ:
أ - تَارَةً يُخْبِرُ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وَقَد ذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ عَلَى الْعَرْشِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ.
ب - وَتَارَة يُخْبِرُ بِعُرُوجِ الْأَشْيَاءِ وَصُعُودِهَا وَارْتفَاعِهَا إلَيْهِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: ١٥٨].
ج - وَتَارَةً يُخْبِرُ بِنُزُولهَا مِنْهُ أَو مِن عِنْدِهِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: ١٠٢].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute