وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْمَعْنَى: وَاللهِ لَو تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين لترون الْجَحِيمَ بِقُلُوبِكُمْ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمِن الْمُفَسِّرِينَ مَن لَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُ، وَهُوَ الَّذِي أَثَرُوهُ عَن مُتَقَدِّمِيهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَنَّهُ الْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا} {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ} [التكاثر: ٨] مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلُة، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي حَيِّزِهِ، فَلَو كَانَ الْأوَّلُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لَكَانَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رُؤْيتَهَا عَيْنُ الْيَقِينِ وَالْمَسْأَلَة عَن النَّعِيمِ لَيْسَ مُعَلَّقًا بِأنْ يَعْلَمُوهَا فِي الدُّنْيَا عِلْمَ الْيَقِينِ.
وَأَيْضًا: فَتَفْسِيرُ الرُّؤْيةِ الْمُطْلَقَةِ بِرُؤيةِ الْقَلْبِ لَيْسَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِن كَلَامِ الْعَرَبِ. [١٦/ ٥١٧ - ٥١٩]
* * *
[سورة الهمزة]
١٦٠٩ - قَوْلُهُ تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١)} [الهمزة: ١] هُوَ الطَّعَّانُ الْعَيَّابُ، كَمَا قَالَ: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١)} [القلم: ١١] وَقَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: ٥٨] وَالْهَمْزُ: أَشَدُّ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَ الدَّفْعُ بِشِدَّة.
فَالْهَمْزُ مِثْلُ الطَّعْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى.
وَاللَّمْزُ كَالذَّمِّ وَالْعَيْبِ، وَإِنَّمَا ذَمَّ مَن يُكْثِرُ الْهَمْزَ وَاللَّمْزَ، فَإِنَّ الْهُمَزَةَ وَاللُّمَزَةَ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا.
وَقَوْلُهُ: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (٢)} [الهمزة: ٢] وَصَفَهُ بِالطَّعْنِ فِي النَّاسِ وَالْعَيْبِ لَهُمْ، وَبِجَمْعِ الْمَالِ وَتَعْدِيدِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [٢٣، ٢٤] فِي "الْحَدِيدِ" وَنَظِيرُهَا فِي الْمَعْنَى فِي "النِّسَاءِ" فَإِنَّ الْهُمَزَةَ اللُّمَزَةَ يُشْبِهُ الْمُخْتَالَ الْفَخُورَ، وَالْجَمَّاع الْمُحْصِي نَظِيرُ الْبَخِيلِ. وَكَذَلِكَ نَظِيرُهُمَا قَوْلُهُ: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢)} [القلم: ١١، ١٢]، وَصَفَهُ بِالْكِبْرِ وَالْبُخْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute