[تزكية النفس]
(حُكْم الْكُنى، والتلقّب بـ"عِزّ الْمِلَّةِ" وَ"الدِّينِ"، ونحوها)
٥٨٧ - كَانَت عَادَةُ السَّلَفِ الْأَسْمَاءَ وَالْكُنَى، فَإِذَا كَنَّوْهُ بِأَبِي فُلَانٍ: تَارَةً يُكَنُّونَ الرَّجُلَ بِوَلَدِهِ، كَمَا يُكَنُّونَ مَن لَا وَلَدَ لَهُ: إمَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى اسْمِهِ، أَو اسْمِ أَبِيهِ، أَو ابْنِ سَمِيِّهِ، أَو بِأَمْر لَهُ تَعَلُّقٌ بِه.
وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ.
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا أَحْدَثُوا الْإِضَافَةَ إلَى: "الدِّينِ"، وَتَوَسَّعُوا فِي هَذَا، وَلَا ريبَ أَنَّ الَّذِي يَصْلُحُ مَعَ الْإِمْكَانِ: هُوَ مَا كَانَ السَّلَفُ يَعْتَادُونَهُ مِنَ الْمُخَاطِبَاتِ وَالْكِنَايَاتِ، فَمَن أَمْكَنَهُ ذَلِكَ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إنِ اضْطُرَّ إلَى الْمُخَاطَبَةِ، لَا سِيَّمَا وَقَد نُهي عَنِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي فِيهَا تَزْكِيَةٌ، كَمَا غَيَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَرَّةَ فَسَمَّاهَا زيْنَبَ؛ لِئَلَّا تُزَكِّيَ نَفْسَهَا، وَالْكِنَايَةُ عَنْهُ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ الْمُحْدَثَةِ خَوْفًا مِن تَوَلُّدِ شَرٍّ إذَا عَدَلَ عَنْهَا فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ، وَلُقِّبُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَمٌ مَحْضٌ لَا تُلْمَحُ فِيهِ الصِّفَةُ، بِمَنْزِلَةِ الْأَعْلَامِ الْمَنْقُولَةِ مِثْل أَسَدٍ وَكَلْبٍ وَثَوْرٍ.
وَلَا ريبَ أَنَّ هَذِهِ الْمُحْدَثَاتِ الَّتِي أَحْدَثَهَا الْأَعَاجِمُ وَصَارُوا يَزِيدُونَ فِيهَا فَيَقُولُونَ: "عِزُّ الْمِلَّةِ" وَ"الدِّينِ" وَ"عِزُّ الْمِلَّةِ وَالْحَقِّ وَالدِّينِ لا وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكَذِبِ الْمُبِينِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَنْعُوتُ بِذَلِكَ أَحَقَّ بِضِدِّ ذَلِكَ الْوَصْفِ، وَاَلَّذِينَ يَقْصِدُونَ هَذِهِ الْأُمُورَ فَخْرًا وَخُيَلَاءَ يُعَاقِبُهُم اللهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ فَيُذِلُّهُم وَيُسَلِّطُ عَلَيْهِم عَدُوَّهُمْ. [٢٦/ ٣١١ - ٣١٢]
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute