للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)} [الأحزاب: ٦٠، ٦٢]، فَلَمَّا تُوُعِّدُوا بِالْقَتْلِ إذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ كَتَمُوهُ.

وَلهَذَا تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي اسْتِتَابَةِ الزِّنْدِيقِ: فَقِيلَ: يُسْتَتَابُ، وَاسْتَدَلَّ مَن قَالَ ذَلِكَ بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُم وَيَكِلُ أَمْرَهُم إلَى اللهِ.

فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَبَعْدَ هَذَا أَنْزَلَ اللهُ: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (٦١)} [الأحزاب: ٦١]، فَعَلِمُوا أَنَّهُم إنْ أَظْهَرُوهُ كَمَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ قُتِلُوا فَكَتَمُوهُ.

وَالزِّنْدِيقُ: هُوَ الْمُنَافِقُ، وَإِنَّمَا يَقْتُلُهُ مَن يَقْتُلُهُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ يَكْتُمُ النِّفَاقَ.

قَالُوا: وَلَا تُعْلَمُ تَوْبَتُهُ؛ لِأنَّ غَايَةَ مَا عِنْدَهُ أَنَّهُ يُظْهِرُ مَا كَانَ يُظْهِرُ، وَقَد كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَهُوَ مُنَافِقٌ، وَلَو قُبِلَتْ تَوْبَةُ الزَّنَادِقَةِ لَمْ يَكُن سَبِيلٌ إلَى تَقْتِيلِهِمْ، وَالْقُرْآنُ قَد تَوَعَّدَهُم بِالتَّقْتِيلِ. [٧/ ٢١٠ - ٢١٥]

* * *

(إذَا كَانَ مَا أَوْجَبَهُ الله مِن الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ أَكْثَرَ مِن أركان الإسلام الْخَمْسة فَلِمَاذَا قَالَ: الْإِسْلَامُ هَذِهِ الْخمْسة؟)

٥٤٩ - مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا أَوْجَبَهُ اللهُ مِن الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ أَكْثَرَ مِن هَذِهِ الْخَمْسِ فَلِمَاذَا قَالَ: الْإِسْلَامُ هَذِهِ الْخَمْسُ؟

وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ الدِّينَ الَّذِي هُوَ اسْتِسْلَامُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مُطْلَقًا، الَّذِي يَجِبُ للهِ عِبَادَةً مَحْضَةً عَلَى الْأَعْيَانِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَن كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ ليَعْبُدَ اللهَ بِهَا مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَهَذ هِيَ الْخَمْسُ.

وَمَا سِوَى ذَلِكَ: فَإِنَّمَا يَجِبُ بِأَسْبَاب لِمَصَالِحَ، فَلَا يَعُمُّ وجُوبُهَا جَمِيعَ النَّاسِ، بَلْ:

- إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ كَالْجِهَادِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَن الْمُنْكرِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِن إمَارَةٍ وَحُكْمٍ وَفُتْيَا، وَإِقْرَاءٍ وَتَحْدِيثٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>