فَإِنَّ الْغَاسِقَ قَد فُسِّرَ بِاللَّيْلِ؛ كَقَوْلَةِ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: ٧٨] وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسّرِينَ وَأَهْلِ اللُّغَةِ.
قَالُوا: وَمَعْنَى {وَقَبَ (٣)} دَخَلَ فِي كلِّ شَيءٍ.
وَقَد رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِي عَن عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَظَرَ إلَى الْقَمَرِ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ تَعَوَّذِي بِاللهِ مِن شَرِّهِ فَإِنَّهُ الْغَاسِقُ إذَا وَقَبَ" (١).
قَالَ ابْنُ قتَيْبَةَ: ويُقَالُ: الْغَاسِقُ الْقَمَرُ إذَا كَسَفَ وَاسْوَدَّ، وَمَعْنَى وَقَبَ: دَخَلَ فِي الْكُسُوفِ.
وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مَا قَالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لا يُعَارَضُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، وَهُوَ لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ، وَهُوَ لَمْ يَأمُرْ عَائِشَةَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ عِنْدَ كُسُوفِهِ بَل مَعَ ظُهُورِهِ. [١٧/ ٥٠٥ - ٥٠٦]
* * *
[سورة الناس]
١٦١٧ - قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)} فِيهَا أَقْوَالٌ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إلَّا قَوْلَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّالِثَ وَهوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)} لِبَيَانِ الْوَسْوَاسِ؛ أَيْ: الَّذِي يُوَسْوِسُ مِنَ الْجِنَّةِ وَمِنَ النَّاسِ، فِي صُدُورِ النَّاسِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَد أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لِكُلّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُم إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا، وَإِيحَاؤُهُم هُوَ وَسوَسَتُهُمْ.
وَقَد قِيلَ: إنَّمَا خَصَّ النَّاسَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُم مُسْتَعِيذُونَ، أَو لِأَنَّهم الْمُسْتَعَاذُ مِن شَرِّهِمْ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْفَرَجِ، وَلَيْسَ لَهُمَا وَجْهٌ، فَإِنَّ وَسْوَاسَ الْجِنّ أَعْظَمُ وَلَمْ
(١) صحَّحه الترمذي (٣٣٦٦)، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٣٧٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute