للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ هُوَ آيةٌ وَبُرْهَانٌ عَلَى نبُوَّتِهِ؛ فَإنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ (١). [١٦/ ٢٦٦]

* * *

[سورة البينة]

١٦٠٧ - قَوْلُه تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة: ١]؛ أَيْ: لَمْ يَكُونُوا مَتْرُوكِينَ بِاخْتِيَارِ أَنْفُسِهِمْ، يَفْعَلُونَ مَا يَهْوَوْنَهُ، لَا حَجْرَ عَلَيْهِمْ، كَمَا أَنَّ الْمُنْفَكَّ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَمْ يَقُلْ "مَفْكُوكِينَ"؛ بَل قَالَ: {مُنْفَكِّينَ} (٢)، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ فَإنَّهُ نَفْيٌ لِفِعْلِهِمْ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا مَتْرُوكِينَ لَا يُؤْمَرُونَ وَلَا يُنْهَوْنَ وَلَا تُرْسَلُ إلَيْهِم رُسُلٌ؛ بَل يَفْعَلُونَ مَا شَاءُوا مِمَّا تَهْوَاهُ الْأَنْفُسُ.

وَالْمَعْنَى: أنَّ اللهَ مَا يُخَلِّيهِمْ وَلَا يَتْرُكُهُمْ، فَهُوَ لَا يَفُكُّهُم حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِم رَسُولًا (٣)، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦)} [القيامة: ٣٦] لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى؛ أَيْ: أَيَظُنُّ انَّ هَذَا يَكُونُ؟ هَذَا مَا لَا يَكُونُ أَلْبَتَّةَ؛ بَل لَا بُدَّ أَنْ يُؤْمَرَ وَيُنْهَى.

وَقَرِيبٌ مِن ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (٥)} [الزخرف: ٥]، وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ؛ أَيْ: لِأَجْلِ إسْرَافِكُمْ نَتْرُكُ إنْزَالَ الذّكْرِ وَنُعْرِضُ عَن إرْسَالِ الرُّسُلِ.


(١) وقد تحدى به العرب قاطبة فلم يستطيعوا أن يأتوا بسورة مثله، ومع ذلك فهو لا يقرأ ولا يكتب، وهذا أعظم البراهين على أن الذي تحداهم به ليس من عنده ولا من عند مخلوق.
(٢) قال الشيخ: هَذَا اللفْظ مُسْتَعْمَل فِيمَا يُلْزَمُ بِهِ الإنْسَانُ -يَعْني: اخْتِيَارهُ- ويُقْهَرُ عَلَيْهِ إذَا تَخَلَّصَ مِنْهُ .. فَفَكُّهُ: فَصْلُهُ عَمَّن يَقْهَرُهُ ويَسْتَوْلِي عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ مَا يَفُكُّ فُلَانًا حَتَى يُوقِعَهُ فِي كَذَا وَكَذَا. (١٦/ ٤٩٤)
(٣) هذا هو الذي رجحه الشيخ وقال: هو أصح الأقوال، وقد اختلف المفسرون في معناها على أقوال. اهـ.
ولا يخفى أن تفسير الشيخ هو الظاهر من الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>