للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقوْلُهُ: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩]؛ فَالْإِنْسَانُ وَإِن كَرِهَ الْمَوْتَ فَهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ تُلَاقِيهِ مَلَائِكَتُهُ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)} [الحجر: ٩٩]، وَالْيَقِينُ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ .. وَإِلَّا فَنَفْسُ الْمَوْتِ -مُجَرَّد عَمَّا بَعْده- أَمْرٌ مَشْهُورٌ لَمْ يُنَارعْ فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى يُسَمَّى يَقِينًا. [٤/ ٢٦٥ - ٢٦٦]

* * *

[التشابه بين النوم والموت]

٣٩٧ - عَوْدُ الرُّوحِ إلَى بَدَنِ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ لَيْسَ مِثْل عُودِهَا إلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِن كَانَ ذَاكَ قَد يَكُونُ أَكْمَلَ مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ، كَمَا أَنَّ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى لَيْسَتْ مِثْل هَذ النَّشْأَةِ، وَإِن كَانَت أَكْمَلَ مِنْهَا.

بَل كُلُّ مَوْطِنٍ فِي هَذ الدَّارِ وَفِي الْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ: لَهُ حُكْمٌ يَخُصُّهُ.

وَهَل يُسَمَّى ذَلِكَ مَوْتًا؟ فِيهِ قَوْلَانِ:

قِيلَ: يُسَمَّى ذَلِكَ مَوْتًا، وَتَأَوَّلُوا عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا} [غافر: ١١]، قِيلَ: إنَّ الْحَيَاةَ الْأولَى فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَالْحَيَاةَ الثَّانِيَةَ فِي الْقَبْرِ، وَالْمَوْتَةَ الثَّانِيَةَ فِي الْقَبْرِ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَقَوْلِهِ: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [البقرة: ٢٨]؛ فَالْمَوْتَةُ الْأُولَى قَبْلَ هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ.

وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الحج: ٦٦] بَعْدَ الْمَوْتِ.

فَالرُّوحُ تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ مَتَى شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَتُفَارِقُهُ مَتَى شَاءَ اللهُ تَعَالَى، لَا يتوقت ذَلِكَ بِمَرَّة وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَالنَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ. وَلهَذَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ: "بِاسْمِك اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا"، وَكَانَ إذَا اسْتَيْقَظَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (١).


(١) رواه البخاري (٦٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>