(كُلُّ نَصٍّ مَنْسُوخٍ بِإِجْمَاعِ الْأمَّةِ فَمَعَ الْأمَّةِ النَّصُّ النَّاسِخُ لَه)
١٩٤٠ - لَا يُوجَدُ قَطُّ مَسْأَلَة مُجْمَعٌ عَلَيْهَا إلَّا وَفِيهَا بَيَانٌ مِنَ الرَّسُولِ، وَلَكِنْ قَد يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ ويعْلَمُ الْإِجْمَاعَ؛ فَيَسْتَدِلُّ بِهِ.
فَإِنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَقَد دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَعَن الرَّسُولِ أُخِذَ، فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كِلَاهُمَا مَأخُوذٌ عَنْهُ.
وَلَا يُوجَدُ مَسْاَلَةٌ يَتَّفِقُ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا إلَّا وَفِيهَا نَصٌّ.
وَقَد كَانَ بَعْضُ النَّاسُ يَذْكُرُ مَسَائِلَ فِيهَا إجْمَاعٌ بِلَا نَصّ كَالْمُضَارَبَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَل الْمُضَارَبَةُ كَانَت مَشْهُورَةً بَيْنَهُم فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا سِيَّمَا قُرَيْشٌ؛ فَإِنَّ الْأَغْلَبَ كَانَ عَلَيْهِم التِّجَارَةُ، وَكَانَ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ يَدْفَعُونَهَا إلَى الْعُمَّالِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَد سَافَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، كَمَا سَافَرَ بِمَالِ خَدِيجَةَ، وَالْعِيرُ الَّتِي كَانَ فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ كَانَ أَكْثَرُهَا مُضَارَبَةً مَعَ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَقَرَّهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يُسَافِرُونَ بِمَالِ غَيْرِهِمْ مُضَارَبَةً، وَلَمْ يَنْهَ عَن ذَلِكَ، وَالسُّنَّةُ: قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ وَإِقْرَارُهُ، فَلَمَّا أَقَرَّهَا كَانَت ثَابِتَةً بِالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةٌ مُجَرَّدَةٌ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ فِيهَا بِنَصٍّ جَلِيٍّ وَلَا خَفِيٍّ: فَهَذَا مَا لَا أَعْرِفُهُ.
وَقَد رُوِيَ عَن عَلِيٍّ وَزيدٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُمَا احْتَجَّا بِقِيَاسٍ، فَمَن ادَّعَى إجْمَاعَهُم عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِالرَّأيِ وَالْقِيَاسِ مُطْلَقًا فَقَد غَلِطَ، وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْهُم إلَّا بِالرَّأيِ وَالْقِيَاسِ فَقَد غَلِطَ؛ بَل كَانَ كُلٌّ مِنْهُم يَتَكَلَّمُ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ، فَمَن رَأَى دَلَالَةَ الْكِتَابِ ذَكَرَهَا، وَمَن رَأَى دَلَالَةَ الْمِيزَانِ ذَكَرَهَا، وَالدَّلَائِلُ الصَّحِيحَةُ لَا تَتَنَاقَضُ، لَكِنْ قَد يَخْفَى وَجْهُ اتِّفَاقِهَا، أَو ضَعْفُ أَحَدِهَا عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ.
وَللصَّحَابَةِ فَهْمٌ فِي الْقُرْآنِ يَخْفَى عَلَى أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَمَا أَنَّ لَهُم مَعْرِفَةً بِأَمُورٍ مِنَ السُّنَّةِ وَأَحْوَالِ الرَّسُولِ لَا يَعْرِفُهَا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَإِنَّهُم شَهِدُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute